اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 104
الأصل: حتى قلت: «هو داسع نفسه»، أي حسبته من شدة التثاؤب، و مما به
من الجهد، يقذف نفسه من جوفه، و يخرجها من صدره، كما يدسع البعير جرّته.
ثم إنّك ترى نصبة الكلام و هيئته
تروم منك أن تنسى هذا المبتدأ، و تباعده عن و همك، و تجتهد أن لا يدور في خلدك، و
لا يعرض لخاطرك، و تراك كأنك تتوقّاه توقّي الشيء تكره مكانه، و الثقيل تخشى
هجومه.
و من لطيف الحذف قول بكر بن
النّطّاح: [من السريع]
العين تبدي الحبّ و البغضا
و تظهر الإبرام و النّقضا
درّة، ما أنصفتني في الهوى،
و لا رحمت الجسد المنضى
غضبى، و لا و اللّه يا أهلها،
لا أطعم البارد أو ترضى
يقوله في جارية كان يحبّها، و سعي
به إلى أهلها فمنعوها منه. و المقصود قوله «غضبى»، و ذلك أن التقدير «هي غضبى» أو
«غضبى هي» لا محالة، أ لا ترى أنّك ترى النّفس كيف تتفادى من إظهار هذا المحذوف، و
كيف تأنس إلى إضماره؟ و ترى الملاحة كيف تذهب إن أنت رمت التكلم به؟
و من جيد الأمثلة في هذا الباب قول
الآخر، يخاطب امرأته و قد لامته على الجود: [من الكامل]
قالت سميّة: قد غويت، بأن رأت
حقّا تناوب ما لنا و وفود
غيّ لعمرك لا أزال أعوده
ما دام مال عندنا «موجود»
المعنى: «ذاك غيّ لا أزال أعود
إليه، فدعي عنك لومي».
و إذ عرفت هذه الجملة من حال الحذف
في المبتدأ، فاعلم أن ذلك سبيله في كل شيء، فما من اسم أو فعل تجده قد حذف، ثمّ
أصيب به موضعه، و حذف في الحال ينبغي أن يحذف فيها، إلّا و أنت تجد حذفه هناك أحسن
من ذكره، و ترى إضماره في النفس أولى و آنس من النّطق به.
[1] جرّته: الجرة بالكسرة هيئة الجر و ما يفيض به البعير فيأكله
ثانية «القاموس: جرر»
[464] . يدسع البعير بجرته: أي يعيد طعامه من جوفه و يمضغه
مرة أخرى.
[2] هذه الأبيات في الأغاني قالها بكر بن النطاح عند ما كان يهوى
جارية من جواري القيان و تهواه، و كانت لبعض الهاشميين يقال لها درة، و هو يذكرها
في شعره كثيرا، و كان يجتمع معها في منزل رجل من الجند من أصحاب أبي دلف يقال له:
الفرز، فسعى به إلى مولاها و أعلمه أنه قد أفسدها و واطأها على أن تهرب معه إلى
الجبل فمنعه من لقائها و حجبه عنها إلى أن خرج الكرج مع أبي دلف فقال بكر بن
النطاح في ذلك هذه الأبيات. راجع الأغاني (19/ 125). المنضى:
من النضو: المهزول.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 104