بِالْحَقِّ
وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) أقسم سبحانه بالدّهر ، لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من
جهة مرور اللّيل والنّهار ، إنّ الإنسان لفي نقصان ، لأنّه ينقص عمره كلّ يوم وهو
رأس ماله فإذا ذهب ولم يكتسب به الطّاعة يكون على نقصان طول دهره ، ويستثنى
المؤمنون العاملون بطاعة الله ، ووصّى بعضهم بعضا باتّباع الحقّ واجتناب الباطل ،
وبالصّبر على المشاقّ.
والشّاهد : في
قوله تعالى : (الْإِنْسانَ) حيث أوتي به معرّفا باللّام المشار بها إلى الحقيقة من
حيث وجودها في ضمن جميع الأفراد.
(١) أي لو سكت
المتكلّم عن ذكر المستثنى ، وحاصل الكلام : إنّه لا بدّ في المقام من الالتزام بأنّ
قوله تعالى : (الْإِنْسانَ) أريد به الاستغراق ، وذلك لأنّه لو كان المراد به
الحقيقة من حيث هي هي لما صحّ الاستثناء لعدم تناوله للأفراد حينئذ ، وكذلك لو كان
المراد به مبهما لعدم إحراز دخول المستثنى في المستثنى منه على هذا التّقدير ،
وكذلك لو كان المراد به بعضا معيّنا ليس ذلك البعض من جملة (الَّذِينَ آمَنُوا ،) وذلك لعدم الدّخول ، وكذلك لا يصحّ الاستثناء لو كان
المراد به بعضا معيّنا من جملته (الَّذِينَ آمَنُوا) للزوم التّرجيح بلا مرجّح ، إذ غير الّذين آمنوا كلّه
في خسر ، فلا وجه لإرادة بعض دون بعض ، فيتعيّن بقرينة الاستثناء كونه مفيدا
للاستغراق ، وقد انقدح من هذا التّوجيه إنّ المعرّف بلام الاستغراق أيضا قد استعمل
في الحقيقة والأفراد إنّما تستفاد من الخارج ، وهو الاستثناء ، ثمّ انطبقت الحقيقة
عليها ، لكونها أفرادا لها ومتّحدة معها في الخارج.
إن قلت : إنّ الاستدلال على العموم بصحّة الاستثناء مستلزم
للدّور ، لأنّ صحّة الاستثناء يتوقّف على العموم ، فلو كانت إرادة العموم متوقّفة
على صحّة الاستثناء كما هو مقتضى الاستدلال للزم الدّور.
قلت
: إنّ صحّة
الاستثناء يتوقّف ثبوتا على إرادة العموم وإرادة العموم يتوقّف إثباتا على صحّة
الاستثناء فلا دور.
(٢) هذا تفريع
على إرجاع الضّمير في قوله : «وقد يأتي ـ وقد يفيد» إلى المعرّف بلام الحقيقة ، أي
فعلم أنّ اللّام الّتي لتعريف الذّهنيّ أو الاستغراق هي لام الحقيقة إذ المتفرّع
على إرجاع الضّمير علم ذلك لا نفسه.