غير الفاعل في المبنيّ للفاعل وغير المفعول به في المبنيّ للمفعول به [للملابسة]
يعني لأجل أنّ ذلك الغير يشابه ما هو له في ملابسة الفعل [مجاز (١) كقولهم : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) فيما بني للفاعل وأسند إلى المفعول به (٢) إذ العيشة
مرضيّة [وسيل مفعم] في عكسه أعني
فإنّ هذه
التّعاريف تنادي بأعلى صوتها على أنّ الكينونة بعد واو المصاحبة معتبرة في حقيقة
المفعول معه والمبيّنة للهيئة داخلة في مفهوم الحال ، والرّافعيّة للإبهام معتبرة
في التّمييز والدّلالة على العلّيّة داخلة في حقيقة المفعول له ، ومعلوم أنّ هذه
الخصوصيّات تزول عند النّيابة ، فلا يمكن أن تقع نائبة مع بقائها على حالها.
(١) توضيح
المجاز : إنّ الرّضا صفة الرّاضي ، فحقيقة الكلام : رضي الرّجل عيشة ، فأسند الفعل
إلى المفعول به من غير أن يبنى له ، فحصل رضيت العيشة ، وهو معنى كونه مجازا ثمّ
سبك من الفعل المبنيّ للفاعل اسم فاعل ، فقيل عيشة راضية ، فقد جعل المفعول به
فاعلا. وبعبارة أخرى إنّ أصله رضي المؤمن عيشة ، ثمّ أقيمت عيشة مقام المؤمن ،
لمشابهة بينهما في تعلّق الفعل ، فصار رضيت عيشته ، وهو فعل مبنيّ للفاعل ، فاشتقّ
اسم الفاعل منه وأسند إلى ضمير المفعول ، وهو عيشة بعد تقديمه وجعله مبتدأ ، ثمّ
حذف المضاف إليه ، فأصبح عيشة راضية. وقال بعضهم الآخر : إنّ الأصل في هذا
التّركيب عيشة رضيها صاحبها ، فالرّضا كان في الأصل مسندا إلى الفاعل الحقيقيّ ،
وهو الصّاحب ثمّ حذف الفاعل وأسند الرّضا إلى ضمير العيشة ، وقيل : عيشة رضيت ، لما بين الصّاحب والعيشة من المشابهة في
تعلّق الرّضا بكلّ وإن اختلفت جهة التّعلّق ، فإنّ تعلّقه بالصّاحب من حيث الحصول
منه ، وبالعيشة من حيث وقوعه عليها ، فصار ضمير العيشة فاعلا نحويّا لا حقيقيّا ،
ثمّ اشتقّ من رضيت راضية ، ففيه معنى الفعل وأسند إلى المفعول الحقيقيّ فصار عيشة
راضية. ونسب إلى الخليل أنّه لا مجاز في هذا التّركيب ، بل الرّاضية بمعنى ذات رضى
، فتكون بمعنى مرضيّة ، فهو نظير لابن وتامر ، وهو مشكل بدخول التّاء ، لأنّ هذا
البناء يستوي فيه المذكّر والمؤنّث إلّا أن تحمل على المبالغة.
ثمّ إنّ محلّ
الشّاهد هو إسناد الرّاضية إلى الضّمير المستتر الرّاجع إلى العيشة لا إسناده إلى
العيشة ، لأنّه إسناد إلى المبتدأ ، والإسناد إليه ليس بحقيقة ولا مجاز عند
المصنّف.
(٢) أي أسند
قوله : «راضية» إلى ضمير ال «عيشة» المفعول به.