وإلّا (١) فالجملة الخبريّة كثيرا ما تورد لأغراض أخر غير إفادة الحكم أو
لازمه مثل التّحسّر (٢) والتحزّن في قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى)[١]
للمخاطب الحكم ، أو كونه عالما به إذ يرد عليه قول أمّ مريم : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) إذ ليس قصدها إعلام الله سبحانه بفائدته أو لازمها ،
لأنّ الله تعالى عالم بأنّها وضعتها أنثى ، وعالم بأنّها تعلم بأنّه سبحانه عالم
بأنّها وضعتها أنثى ، فلا وجه لأن يكون المقصود الفائدة أو لازمها ، فحينئذ لا
يصحّ الحصر.
والجواب
: إنّ المخبر
على قسمين :
الأوّل
: العرفيّ ، بأن
يتلفّظ بالجملة الخبريّة بقصد الحكاية عن الخارج أو أمر آخر.
الثّاني
: المخبر
بالمعنى اللّغوي ، أي المعلّم ، ثمّ المراد بالمخبر هنا هو المعنى اللّغوي ، أي من
كان بصدد الإخبار والإعلام لا من يتلفّظ بالجملة الخبريّة ، ثمّ إخبار من يكون
بصدد الإخبار والإعلام ينحصر في القسمين المذكورين.
(١) أي وإن لم
يكن المراد بالمخبر من يكون بصدد الإخبار ، بل كان من يتكلّم بالجملة الخبريّة ،
كما هو ظاهر كلام المصنّف ، لم يستقمّ الحصر المذكور ، لانتقاضه بقول أمّ مريم في
الآية المذكورة.
(٢) قيل : التحسّر هي النّدامة الطّويلة والتّحزّن أعمّ منه ومن
غيره ، والجامع بينهما هو إظهار الضّعف كما في قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) حيث أظهرت حزنها بعدم حصول مقصدها وخيبة رجائها بعد ما
لم تضع ما في بطنها ذكرا فيتحرّر لخدمة بيت المقدس ، ويكون من خدمته ، إذ لا يصلح
لذلك إلّا الذّكر ، فإنّ اللّفظ مستعمل لغرض آخر مجازا ، لأنّ وضع المركّب الخبريّ
إنّما هو للإخبار والإعلام بالحكم أو لازمه ، ولم يكن المقصود في الآية إفادة
الحكم أو لازمه ، فإنّ المخاطب سبحانه وتعالى عالم بكلّ منهما ، بل إظهار التحسّر
والتحزّن على خيبة رجائها ، لأنّها كانت ترجو أن تلد ذكرا.