الصّدق عدم الصّدق (١) لأنّه (٢) لم يجعله (٣) دليلا على عدم الصّدق ، بل
على عدم إرادة الصّدق (٤) ، فليتأمّل (٥). [وردّ] هذا الاستدلال (٦) [بأنّ المعنى]
أي معنى (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) [أم لم يفترّ ، فعبّر عنه] أي عدم الافتراء [بالجنّة لأنّ المجنون لا
افتراء له] لأنّه (٧) الكذب عن عمد ولا عمد للمجنون فالثّاني (٨) ليس قسيما للكذب
بل لما هو أخصّ منه ، أعني الافتراء ، فيكون هذا حصرا للخبر الكاذب بزعمهم في
نوعيه أعني الكذب عن عمد والكذب لا عن عمد.
(٣) أي عدم
اعتقاد الصّدق المفهوم من قوله : «لم يعتقدوه».
(٤) وحاصل
الكلام في عدم توجّه ما قيل
: إنّ المصنّف
لم يجعل قوله : «لأنّهم لم يعتقدوه» دليلا على عدم الصّدق كي يتوجّه عليه ما قيل : من أنّه لا يلزم من عدم اعتقاد الصّدق عدم الصّدق في
الواقع. بل جعله دليلا على عدم إرادة الصّدق ، فيكون التّعليل في محلّه.
(٥) لعلّه
إشارة إلى أنّ عدم الاعتقاد لا يستلزم عدم الإرادة ، لأنّ عدم الاعتقاد لا ينافي
الإرادة ، إذ الشّاكّ المتردّد ليس عنده اعتقاد ، وعنده إرادة للأمر المشكوك فيه
المتردّد بينه وبين غيره ، فلا يصلح جعل عدم اعتقاد الصّدق دليلا لعدم الإرادة ،
إلّا أن يقال : إنّ عدم الاعتقاد وإن كان لا يستلزم عدم الإرادة ذاتا إلّا أنّه
يستلزمه بقرينة المقام ، كما تقدّم في قوله : «هو بمراحل ...» لأنّ هذا القول علّة
لقوله : «فلا يريدون ...».
(٦) أي استدلال
الجاحظ على مذهبه بالآية المذكورة.
وحاصل الرّدّ :
إنّا نختار أنّ المراد ب «الثّاني» هو الكذب ، غاية الأمر الكذب على قسمين : الكذب
عن عمد والكذب لا عن عمد ، ثمّ الكذب عن عمد يسمّى بالافتراء ، فيكون مفاد الآية
حصر الخبر الكاذب بزعمهم في نوعيه أعني الكذب عن عمد وهو الافتراء المفهوم من قوله
تعالى : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ
كَذِباً) والكذب لا عن عمد المفهوم من قوله تعالى : (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) بمعنى أم لم يفتر ، أي كان الكذب لا عن عمد.
(٧) أي
الافتراء.
(٨) أي الإخبار
حال الجنّة «ليس قسيما للكذب ، بل لما هو أخصّ منه» أي الكذب وهو الافتراء.