واعتقادهم الباطل ، لأنّهم يعتقدون أنّه (١) غير مطابق للواقع فيكون كاذبا
في اعتقادهم ، وإن كان صادقا في نفس الأمر فكأنّه قيل : إنّهم يزعمون أنّهم كاذبون في هذا الخبر الصّادق وحينئذ
لا يكون الكذب إلّا بمعنى عدم المطابقة للواقع فليتأمّل (٢) ، لئلّا يتوهّم أنّ
هذا اعتراف بكون الصّدق والكذب راجعين إلى الاعتقاد [والجاحظ] أنكر انحصار الخبر (٣)
في الصّدق والكذب وأثبت الواسطة وزعم أنّ
(١) أي الخبر
وهو (إِنَّكَ لَرَسُولُ
اللهِ) غير مطابق للواقع ، غاية الأمر عدم المطابقة للواقع
إمّا باعتبار أنّه غير مطابق للواقع في نفس الأمر ، وإمّا باعتبار أنّه غير مطابق
في اعتقادهم ، والمقام وإن كان من القسم الثّاني ، إلّا أنّ الكذب على كلا
التّقديرين بمعنى عدم المطابقة للواقع ، وليس بمعنى عدم المطابقة للاعتقاد.
(٢) جواب لسؤال
مقدّر ، تقدير السّؤال : إنّه يلزم ـ من قوله إنّهم لكاذبون في زعمهم ـ أن يكون
الصّدق والكذب راجعين إلى الاعتقاد إذ في «زعمهم» بمعنى في اعتقادهم ، فهذا اعتراف
بكون الصّدق والكذب باعتبار مطابقة الاعتقاد وعدمها كما يقول به النّظّام.
والجواب
: إنّه فرق بين
عدم المطابقة للواقع في اعتقادهم وبين عدم المطابقة لاعتقادهم ، فلا يكون ما ذكره
المصنّف اعترافا لما ذهب إليه النّظّام للفرق الواضح بين الكذب لعدم المطابقة
للاعتقاد كما ذهب إليه النّظّام ، وبين الكذب لعدم المطابقة للواقع بحسب الاعتقاد
كما أجاب به المصنّف.
(٣) قول
الشّارح : «أنكر» إشارة إلى أنّ «الجاحظ» مبتدأ وخبره محذوف وليس فاعلا لفعل مقدّر
، إذ لا يحذف رافع الفاعل إلّا في ثلاثة مواضع ، وليس المقام منها :
الأوّل
: ما إذا وقع في
جواب سؤال حقيقي كقولك : زيد ، في جواب من قال : من نصرك؟ أو تقديريّ كضارع في
قوله : ليبك يزيد ضارع.
والثّاني : ما إذا وقع بعد إن الشّرطيّة كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجارَكَ)[١]
والثّالث : ما إذا وقع بعد إذا الشّرطيّة كقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)[٢]. ثمّ المقام ليس من تلك المواضع فلا بدّ من الالتزام
بكون «الجاحظ» مبتدأ و «أنكر» خبره.