وذكر الصاحب إسماعيل بن عبّاد أنّه أنشد هذه القصيدة بحضرة الأستاذ ابن
العميد [١] ، فلمّا بلغ هذا البيت قال له الأستاذ هل تعرف فيه شيئا
من الهجنة (١) ، قال : جنعم ، مقابلة المدح باللوم ، وإنّما يقابل بالذّمّ أو
الهجاء ، فقال الأستاذ : غير هذا (٢) أريد ، فقال : لا أدري غير ذلك ، فقال
الأستاذ : هذا التّكرير في أمدحه أمدحه ، مع الجمع بين الحاء والهاء وهما من حروف
الحلق خارج (٣) عن حدّ الاعتدال نافر (٤) كلّ التّنافر ، فأثنى عليه الصّاحب. [والتّعقيد]
أي كون الكلام معقّدا (٥)
بالفصاحة ، وإلّا لزم القول باشتمال القرآن على كلام غير فصيح وهو باطل.
(١) بمعنى
العيب ، وقد أراد الشّارح بهذه الحكاية التّأييد لكون هذا التّكرير موجبا للثّقل
يخرج به الكلام عن الفصاحة.
(٢) المشار
إليه لهذا في قوله : «غير هذا أريد» هو مقابلة المدح باللّوم ، فمعنى العبارة :
فقال الأستاذ :
غير مقابلة المدح باللّوم أريد ، «فقال الصّاحب : لا أدري غير ذلك» أي غير مقابلة
المدح باللّوم.
(٣) قوله : «خارج»
خبر عن قوله : «هذا التّكرير» في «أمدحه أمدحه» مع الجمع بين الحاء والهاء ...
خارج عن حدّ الاعتدال.
(٤) خبر بعد
خبر عن هذا التّكرير ، وقيل المناسب : نافر كلّ النّفور أو متنافر كل التّنافر ،
فمفاد هذا الكلام أنّ التّنافر فيه قويّ وكامل ، وهذا ينافي ما سبق للشّارح من أنّ
التّنافر في المثال الثّاني دون التّنافر في المثال الأوّل ، أي أنّه ليس قويّا
كالمثال الأوّل ، إلّا أن يقال : بأنّ التّنافر الكامل مقول بالتّشكيك فلا ينافي
ما سبق من الشّارح ، لأنّه أكمل من هذا.
(٥) وتوضيح
الكلام في المقام يتوقّف على بيان أمرين :
الأمر الأوّل : أنّ المصنّف اكتفى بالمثال فقط في بيان كلّ واحد من ضعف
التّأليف والتّنافر حيث قال : «فالضّعف نحو ضرب غلامه زيدا ، والتّنافر كقوله :
وليس قرب قبر حرب قبر» ولم يكتف في بيان التّعقيد بالمثال ، بل عرّفه بقوله «أن لا
يكون الكلام ظاهر الدّلالة على المراد» فلا بدّ من الفرق بين التّعقيد ونظائره.
[١] الأستاذ ابن
العميد هو شيخ إسماعيل بن عبّاد الّذي هو شيخ الشّيخ عبد القاهر الجرجاني مدوّن
هذا الفنّ ، كما في مختصر الدّسوقي على مختصر المعاني.