responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مباحث الاُصول، القسم الثاني المؤلف : الحائري، السيد كاظم    الجزء : 1  صفحة : 260

أو بدعوى أنّ هذا الحديث نصّ في مورده، وهو الاشتغال ببعض المقدّمات، فتخصّص به أدلّة نفي العقاب، ثُمّ ببركة انقلاب النسبة تخصّص أدلّة العقاب بأدلّة النفي، فينتج التفصيل الثاني من التفصيلين، كما وقد تجعل روايات العقاب على بعض المقدّمات ـ أيضاً ـ شاهداً لهذا الجمع الثاني، ولعلّه إلى ذلك يشير الشيخ رحمه الله حيث يقول: «كما يشهد له حرمة الإعانة على المحرّم حيث عمّمه بعض الأساطين لإعانة نفسه على الحرام، ولعلّه لتنقيح المناط لا بالدلالة اللفظيّة».

وقد يقال: إنّ هذه الطريقة تثبت اشتراط العقاب بكلا القيدين، لو اعتمدنا في مقام ذكر الشاهد على رواية (القاتل والمقتول)، فيقال: إنّ هذه الرواية نصّ في موردها، وتوجد في موردها خصوصيّتان: إحداهما: أنّه لم يرتدع عن الحرام إلى أن عجز، والثانية: أنّه اشتغل ببعض المقدّمات، أو قل: أبرز قصده بمبرز عملىّ، فروايات عدم العقاب تخصّص بهذا المقدار، فمن قارنت نيّته هاتين الخصوصيّتين يعاقب، وبفقدان إحدى الخصوصيّتين ينتفي العقاب ببركة روايات نفي العقاب التي هي أخص ـ بعد انقلاب النسبة ـ من روايات العقاب.

وأورد على ذلك اُستاذنا الشهيد قدس سره ـ بغضّ النظر عن عدم قبول كبرى انقلاب النسبة، وبغضّ النظر عن المناقشة الدلالية لرواية القاتل والمقتول; إذ إنّ الإرادة هنا لا تحمل على النيّة، بل على محاولة القتل بمثل الهجوم الذي هو محرّم شرعاً ـ أنّ مورد الحديث يحمل خصوصيّة ثالثة، فيجب أخذها ـ أيضاً ـ بعين الاعتبار، وهي: اقتران النيّة بعمل محرّم في ذاته، وهو محاولة القتل بمثل الهجوم بالسيف.

وذكر الاُستاذ الشهيد رحمه الله وجهاً آخر للجمع بين الطائفتين ـ بعد فرض ورودهما في مورد التجرّي وتعارضهما ـ وهو: حمل أدلّة النفي على نفي فعليّة العقاب، وأدلّة الإثبات على إثبات استحقاق العقاب; وذلك لأنّ أدلّة النفي نصّ في نفي الفعليّة، وظاهرة في نفي الاستحقاق (لو لم نقلّ: إنّ كلّها أو جلّها تدلّ على نفي الفعليّة فقط)، وأدلّة الإثبات نصّ في إثبات الاستحقاق، وظاهرة في إثبات الفعليّة (لو لم نقل: إنّ كلّها أو جلّها تثبت الاستحقاق فقط)، فترفع اليد عن ظاهر كلّ منهما بنصّ الآخر. وإنّما لا نجمع بين الأمر والنهي بجمع من هذا القبيل بحمل كلّ منهما على مجرّد الجواز لنصوصيّة كلّ منهما في الجواز في جانبه وظهوره في الإلزام; لأنّ تحليل الأمر والنهي إلى الجواز والإلزام تحليل عقلىّ، بخلاف ما نحن فيه .

أقول: إنّ روايات العقاب فيها ما هو نصّ في فعليّة العقاب كرواية تعليل خلود الخالد في النار بنيّة الاستمرار، وفيها ما لا يتلائم مع الوعد الجزمىّ بالعفو، كرواية القاتل والمقتول في النار، وروايات لعن الغارس والعاصر، وغير ذلك.

الأمر الرابع: في مدى إمكانيّة شمول دليل الحجّيّة لروايات العقاب، أو نفي العقاب في المقام:

إن كان الدليل يثبت أو ينفي فعليّة العقاب مع علمنا بالاستحقاق، فلا يعقل تنجيز أو تعذير زائد; كي نتعقّل الحجّيّة.

وإن كان الدليل يثبت أو ينفي الاستحقاق، وكان ذلك كاشفاً عن ثبوت الحكم الإلزامىّ وعدمه، فلا شكّ في الحجّيّة.

وإن كان الدليل يثبت الاستحقاق، ولم نجعل ذلك كاشفاً عن ثبوت الحكم الإلزامىّ، أو كان ينفي الاستحقاق، وكنّا نعلم من قبل بعدم الحكم الإلزامىّ، بدعوى استحالة الحكم في سلسلة معلولات الأحكام مثلاً، فلا معنىً ـ أيضاً ـ للحجّيّة; وذلك لأنّ روح الحجّيّة عبارة عن التنجيز والتعذير. والاستحقاق بواقعه يساوق التنجيز، وعدمه بواقعه يساوق التعذير، إذن فالتنجيز والتعذير هنا يدوران مدار الواقع، ولا معنىً للحجّيّة الظاهريّة.

اسم الکتاب : مباحث الاُصول، القسم الثاني المؤلف : الحائري، السيد كاظم    الجزء : 1  صفحة : 260
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست