لا يصدق حتماً في جميع الحقوق كحقّ الأولويّة في مَن سبق في إشغال مكان فيالأوقاف العامّة . فمن الواضح أنّ العقلاء لا يوجدون بالخلق والاعتبار رابطة بين هذا الإنسان والمكان الذي أشغله ، ولا يوجد هنا عدا الحكم التكليفيّ من جواز بقائه في المكان واستمراره في الاستفادة منه ، وعدم جواز مزاحمة الآخرين له وإزاحتهم إيّاه إلى أن ينتقل هو من المكان ، وما ينتزع من ذلك وهو عنوان اختصاصه بهذا المكان ، فهذا المعنى الأوّل للحقّ وهي السلطنة الاعتباريّة قد يكون صحيحاً في الجملة .
ولكن يوجد في المقام منحىً ثان لتفسير الحقّ بما هو أوسع مصداقاً وأعمّ تطبيقاً من المعنى الأوّل ، وهو تفسيره بأمر انتزاعيّ ينتزع من الأحكام التكليفيّة من الجواز وعدمه ، والوضعيّة من النفوذ وعدمه ، لا بأمر اعتباريّ جعل موضوعاً لتلك الأحكام ، وذلك الأمر الانتزاعيّ عبارة عن عنوان اختصاص متعلّق الحقّ بذي الحقّ .
وقد فسّر الاُستاذ مصطفى أحمد الزرقاء الحقّ بذلك حيث قال : « الحقّ هو اختصاص يقرّر به الشرع سلطةً أو تكليفاً »[1] ، وبكلمة ( الاختصاص ) تخرج العلاقة التي لا اختصاص فيها كإباحة الاصطياد والاحتطاب من البراري وحيازة المباحات وحقّ الانتخاب وما إلى ذلك .
وهذا المنحى في تعريف الحقّ يشمل مثل حقّ الولاية ، ومثل حقّ الأولويّة في مَن سبق إلى مكان في الوقف العامّ ، وسائر الحقوق الاُخرى .
ويقصد بكلمة ( السلطة ) في التعريف ما يرجع إلى تصرّف نفس الولىّ كما في حقّ الولاية على النفس ، حيث يمارس الوليّ فيه سلطته على القاصر تأديباً
[1] الفقه الإسلاميّ في ثوبه الجديد 3 : 11 الفقرة 3 .