ولذلك فإنّ القرآن الذي نقرؤه الآن هو غير ذلك القرآن الذي كان يقرؤه الجيل الأول من المسلمين، فذاك الجيل كان يقرأ القرآن وتدفعه هذه القراءة الواعية إلى ان يفتح العالم، أما نحن فإننا نقرأ القرآن قراءة سطحية غير واعية فتكون النتيجة أن يغزونا العالم، ويدخل في أعماقنا، ويستغلّنا دون أن نكون قادرين على أن نفعل شيئاً.
ترى ما هو سبب هذه الظاهرة؟
انّ القرآن هو نفسه القرآن، وذلك الجيل لم يكن يختلف عنّا من ناحية كونهم بشراً. فلو كان اولئك الرجال قد هبطوا من السماء، ولو كان القرآن مختلفاً من ناحية مضامينه عمّا هو عليه الآن، لزال التعجّب، ولاستطعنا أن نجيب على ذلك التساؤل. ولكنّ القرآن قد بقي على ما كان عليه، وطبيعة الإنسان وسنن الله فيه لم تتغيّر، فلماذا- إذن- كان القرآن ملهماً لذلك الجيل العروج الروحي والتقدم الحضاري، في حين أنّنا لا نستطيع أن نستلهم من القرآن ذلك العروج والتقدم!
إنّ الفرق يكمن في نظرتنا إلى القرآن الكريم، والانطباع الذي نحمله عن آياته الكريمة التي تحتوي على التعاليم الاساسية التي تبعث روح الحضارة في الإنسان المسلم، وتقدس العمل إما بصورة عامّة- وهي قليلة- كقوله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ (التوبة/ 105)، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ... (لقمان/ 8). علماً انّ مثل هذه العبارة قد تكرّرت في القرآن حوالي مائة وعشرين مرّة.
أمّا القسم الأكبر من توجيهات القرآن الكريم فيتركّز على أعمال معيّنة، مثل إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الحج، والجهاد، والاحسان ... وما