فمن التاريخ القديم نأخذ (عيّنة) زوجة فرعون، آسيا، التي كانت تكفر بألوهية فرعون رغم طرق التعذيب الرهيبة التي مارسها زوجها ضدها، بل إن الأمر كان يسير على العكس مما يبتغيه فرعون، فكلما كان يضاعف لها العذاب كلما ازدادت معرفة بالله سبحانه وتعالى وإيماناً به. إنها في الحقيقة لم تكن ترى فرعون ولا ترى عذابه، بل كانت ترى عظمة ربها. فهي لم تكن تعرف إلا الله سبحانه وتعالى، ولم تكن ترى إلا موضعها في الجنة.

ومن التاريخ الإسلامي نأخذ (عينة) حجر بن عدي رضوان الله عليه، أحد أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، حيث ألقي القبض عليه وعلى ابنه بتهمة موالاة الإمام علي عليه السلام والتأليب على معاوية بن أبي سفيان، فعرضت عليه النجاة في مقابل البراءة من إمامه، ولكنه رفض رفضاً باتاً، ولما قدّم الى الجلاد ليحتز رأسه الشريف تلقى الأمر برحابة صدر على أساس استشهاده تحت مظلة ولاية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ولكنه طلب الى جلاديه- إن عزموا على قتله- أن يقتلوا ابنه قبيله. ففعلوا ذلك، ولكنهم سألوه بغرابة عن السبب لذلك. فقال: إنني أخاف على ابني التنازل أو التراجع عن مبدئه إذا ما رآني أتشحط بدمي قبله. ثم إنه طلب إليهم مرة أخرى أن يصلي ركعتين، فأجيب الى ذلك، ولما أتمهما اعتقد الجلادون بأنه تعمد الإطالة، فسألوه عن ذلك، فقال: إنني لم أصل أخف وأسرع من هاتين الركعتين، لئلا تظنوا بي الخوف من الموت. ثم قتلوه صابراً محتسباً بعد أن أعطاهم و أعطانا الدرس العظيم في كيفية تفعيل الإرادة و الاستقلال الذاتي عن ماديات الحياة، وتنامي القوة الروحية والعزة الإيمانية.

وهذه كلها دروس مستلهمة من معرفة الله سبحانه وتعالى ومعرفة أسمائه المقدسة التي من الطبيعي أن تعكس مصداقيتها وبركتها على الإنسان المؤمن الراغب بالانعتاق من ظلمات الدنيا والتوجه نحو الواحد الأحد.