ولندرس في هذا المجال سورة المائدة، علماً إنّ المائدة تعني النعمة الالهية التي يجتمع عليها الناس، وقد سميّت آخر سورة ب- (المائدة) لأنّها سورة الولاية، وهذه الولاية تجمع الناس لأنها مائدة سماوية. ونحن إذا تدبّرنا في آيات سورة المائدة وجدناها تتحدّث عن الولاية، ومنها الآيات التي نزلت قبل أن يبين القرآن الكريم فكرة وبصيرة الولاية. فالله سبحانه وتعالى يحدّثنا عن ارتداد قوم في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة، 54)
والآية التالية لها تقول: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة، 55).
ومن خلال المقارنة بين هاتين الآيتين نستطيع أن نفهم لماذا يحدثنا القرآن أولًا عن الارتداد، ثم يحدثنا عن الولاية. فهو يريد أن يحذرنا، لأن كثيراً من الناس لا يتحملون الولاية، فهي أمر صعب مستصعب، كما يقول الإمام علي عليه السلام:
(إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلا عبد امتحن الله قلبه للإيمان) [1]
. الولاية من عند الله
وبناء على ذلك فانّ قضية الولاية هي قضية عجيبة وثقيلة لا يتحملها الانسان العادي، بل حتى كثير من المؤمنين، فمنهم من يرتدّ عندما يسمع بها. أما إذا صمد