والمفترض في الانسان المؤمن أن يعبد ربّه مؤكداً نيته بالتوجه الخالص الى الله سبحانه وتعالى، بعيداً كل البعد عن عوامل الضغط الاجتماعي والرغبة في الرياء وتحقيق المصالح الحياتية.
ومن عوامل الجذب المادي إحساس الانسان في داخله بالضعف ونزعة الخضوع للطاغوت والقوة الغاشمة؛ إن هذه النزعة في مقابل القدرة الجبارة لرب العالمين تكون شركاً به وكفراً. فالمصلي حينما يصلي يبتدأ بعبارة (الله أكبر) لتتكرس في عقله مصاديق العلو والقدرة الالهية التي هي فوق جميع المخلوقات مهما تعالت. وهذا كله يعني أن المصلي إذا أراد التوجه الى الله جل جلاله، عليه أن يتخلص قلباً وقالباً من جاذبية الطاغوت والقوى المادية الضاغطة الأخرى، ولذلك فإن ربنا يقول في سورة الزمر الحرية بالتدبر العميق: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (الزمر، 17- 18).
فلا يمكن للمرء في حال من الأحوال أن يرتبط بالله مع بقاء علاقته بالطاغوت والصولجان والقوى المادية الشريرة، ولا يمكنه الإنابة الى الله تعالى مع إنابته للطاغوت، بل لابد من تعميق الهوة بين الإيمانين والتوجه الكلي الى الله سبحانه.
ومن عوامل الجذب المادية عامل التأثر بالحميات الجاهلية والعصبيات الباطلة، وافتخار الانسان بإسلامه .. وإيمانه خير له من الافتخار الباطل بقوميته مثلًا، وعلى افتراض القومية الفلانية تفوق القومية الأخرى- جدلًا- فما هو دور الانسان فيها وفي تفوقها؟
فالمرء أصبح عراقياً لأن أبويه عراقيان، وأصبح أوروبياً لأنه ولد في أوروبا، وهذه أمور خارجة عن إرادة المرء، بل هي نوع من القضاء والقدر الإلهيين.