وهكذا نصل إلى جوهر الدليل الثاني الذي أقامه ملا صدرا على نظريته في وحدة الوجود، فهو يزعم أن علة المخلوقات (وليس خالق المخلوقات حسب تعبيرنا) لابد أن تستمر مع المعلول. فإذاً ليس المعلول سوى تلك العلة ولكن في مرتبة دانية.
يقول: الوجود المطلق (أي الله في زعمه) هو كل الأشياء على وجه أبسط، وذلك لأنه فاعل كل وجود مقيد وكماله، ومبدأ كل فضيلة أولى بتلك الفضيلة من ذي المبدأ، فمبدأ كل الأشياء وفياضها يجب أن يكون هو كل الأشياء على وجه أرفع وأعلى [1].
ولقد غفل هذا الفيلسوف عن تعالي الرب من أن يكون جزءاً من حقائق الكون الناقصة، وإن فاعليته ليست بالفيض الذي هو نوع ولادة، أو ليس الشعاع وليد الحرارة، والعبق وليد العطر؟ وأن العقل يحكم بأن بديع السموات والأرض أجلّ من نسبة العجز إليه، والزعم بأنه لا يستطيع إبداع الحقائق إلا بالتنزل عن مرتبته إلى مراتب دنيا، وبالاضطرار، مقولة ضالة.
يقول العلامة الطهراني:
فإن الفطرة والعقل حاكمان بأن ذاتاً ما، يكون قادراً على إبداع الحقائق والأشياء لا من شيء، أشرف وأكمل من ذات يكون فاعليته وقادريته هو بعين فياضيته من ذاته، وهذا النحو من الفاعلية هو من كمالاته، وخصائصه ذاته تعالى شأنه وليس كمثله شيء، وما قدروا الله حق قدره [2].
والواقع إن محاولة فهم كيفية الخلق، وكيفية الخالق، جعلت قدماء الفلاسفة البعيدين عن رسالات الله مثل أفلوطين ومن استوحى أفلوطين منهم حكمته وهم قدماء الفرس، جعلتهم يشبّهون الله بخلقه، ويزعمون أن العالم صدر من الله تعالى كما تصدر أشياء الكون عن بعضها، غافلين عن نقطتين هامتين: