ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لا حِيلَةَ لَهُمْ، مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى [1] وَ الزَّمْنَى [2]، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً [3] وَ مُعْتَرّاً [4]، وَ احْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ [5] مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ، وَ قِسْماً مِنْ غَلّاتِ [6] صَوَافِي [7] الإِسْلامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، فَإِنَّ لِلأقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلأدْنَى، وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ؛ وَ لا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ [8]، فَإِنَّكَ لا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ [9] لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ.
فَلا تُشْخِصْ هَمَّكَ [10] عَنْهُمْ، وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ [11]، وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ [12]، وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ؛ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ [13] مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَ
التَّوَاضُعِ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ [14] يَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ.
[1] - البؤسى- بضم أوله-: شدة الفقر.
[2] - الزَمْنَى بفتح الزاي-: جمع زمين وهو المصاب بالزَمانة، أي العاهة، يريد أرباب العاهات المانعة لهم عن الاكتساب.
[3] - القانع: السائل.
[4] - المُعْترّ- بتشديد الراء-: المتعرض للعطاء بلا سؤال.
[5] - اسْتَحْفَظَك: طلب منك حفظه.
[6] - غَلّات: ثمرات.
[7] - صوافي الاسلام: جمع صافية، وهي أرض الغنيمة.
[8] - بَطَر: طغيان بالنعمة.
[9] - التافه: الحقير.
[10] - لا تُشْخص همك: أي لا تصرف اهتمامك عن ملاحظة شؤونهم.
[11] - صعّر خدّه: أماله إعجاباً وكبراً.
[12] - تقتحمه العين: تكره أن تنظر اليه احتقاراً وازدراءً.
[13] - فَرِّغ لاولئك ثقتك: أي اجعل للبحث عنهم أشخاصاً يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم.
[14] - بالاعذار إلى الله تعالى: أي بما يقدم لك عذراً عنده.