وإذا كان السجود في آناء الليل وبالذات عند ادبار النجوم، وكانت حالة
الساجد التبتل والقنوت والحذر والرجاء، فان ذلك يورثه نوراً وهدى وزلفى الى الله
سبحانه، لنستمع اليه وهو يخاطبنا.
ما خسر والله من اتى بحقيقة السجود. ولو كان في العمر مرة واحدة،
وما افلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال شبيها بمخادع لنفسه، غافل، لاهٍ عما أعد
الله للساجدين؛ من أُنس العاجل، وراحة الآجل، ولا بَعُد ابداً عن الله من احسن
تقرّبه في السجود، ولا قَرُبَ اليه ابداً من اساء ادبه، وضيَّع حرمته، بتعليق قلبه
بسواه في حال سجوده، فاسجُد سجود متواضع ذليل علم انه خُلِقَ من تراب يطأه الخلق،
وانّه ركِّب من نطفة يستقذرها كل احد، وكُوِّنَ ولم يكن.
وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرب اليه بالقلب والسر والروح،
فمن قَرُبَ منه بَعُدَ من غيره، الا يرى في الظاهر انه لا يستوي حال السجود إلّا
بالتواري عن جميع الاشياء، والاحتجاب عن كل ما تراه العيون، كذلك اراد الله تعالى
امر الباطن؛ فمن كان قلبه متعلقاً في صلاته بشيء دون الله، فهو قريب من ذلك
الشيء، بعيد من حقيقة ما اراد الله منه في صلاته، قال الله عز وجل: (ما جعل الله
لرجل من قلبين في جوفه) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عز وجل: لا
اطبع على قلب عبد، فأعلم منه