مِنَ الشَّيْطَانِ.
وَكَانَ يُدَاوِي قَلْبَهُ بِالتَّفَكُّرِ، وَيُدَارِي نَفْسَهُ بِالْعِبَرِ، وَكَانَ لَا يَظْعَنُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ، فَبِذَلِكَ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَمُنِحَ الْعِصْمَةَ.
وَإِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ طَوَائِفَ مِنَ المَلَائِكَةِ حِينَ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهَدَأَتِ الْعُيُونُ بِالْقَائِلَةِ؛ فَنَادَوْا لُقْمَانَ حَيْثُ يَسْمَعُ وَلَا يَرَاهُمْ فَقَالُوا: يَا لُقْمَانُ! هَلْ لَكَ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ تَحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ؟.
فَقَالَ لُقْمَانُ: إِنْ أَمَرَنِي رَبِّي بِذَلِكَ فَالسَّمْعَ وَالطَّاعَةَ؛ لِأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ بِي ذَلِكَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، وَعَلَّمَنِي وَعَصَمَنِي، وَإِنْ هُوَ خَيَّرَنِي قَبِلْتُ الْعَافِيَةَ.
فَقَالَتِ المَلَائِكَةُ: يَا لُقْمَانُ! لِمَ قَالَ؟.
- قَالَ لُقْمَانُ-
لِأَنَّ الحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ بِأَشَدِّ المَنَازِلِ مِنَ الدِّينِ، وَأَكْثَرُ فِتَنًا وَبَلَاءً مَا يُخْذَلُ وَلَا يُعَانُ وَيَغْشَاهُ الظُّلَمُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَصَاحِبُهُ مِنْهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِنْ أَصَابَ فِيهِ الحَقَّ فَبِالحَرِيِّ أَنْ يَسْلَمَ، وَإِنْ أَخْطَأَ أَخْطَأَ طَرِيقَ الجَنَّةِ. وَمَنْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا ذَلِيلًا وَضَعِيفًا كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْهِ فِي المَعَادِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَكَمًا سَرِيًّا شَرِيفًا. وَمَنِ اخْتَارَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ يَخْسَرُهُمَا كِلْتَيْهِمَا تَزُولُ هَذِهِ وَلَا تُدْرَكُ تِلْكَ ..) [1].
ومما يدل على أنه من الممكن لشخص يتبع المنهجيّة الصحيحة، وأعني بها منهجيّة الشكر، ومنهجيّة النظر العميق، ومنهجيّة الحياء، أن يُلقّى
الحكمة، فلا يتعامل مع قواعد الحياة ومجرياتها باستخفاف وبعبثيّة، وإنما يبحث من خلالها، وباستمرار
[1] تفسير القمي، ج 2، ص 162- 163.