أقول: كلما فعل الكفار ذلك، فإن الله تعالى ينصر رسوله
والمؤمنين ببيان مَثَل الحق. فمَثَل الحق جواب الله على مثل الباطل، وهي تتضمن
مُقوِّمات القبول من جانب العقل والفطرة، كما تجد فيها من الأدلة المنطقية ما
يتكفَّل بإسكات المبطلين.
وهكذا نعرف أن هذا الأمر هو من حِكَم تنزُّل القرآن متدرجًا؛ لأن
الله سبحانه يُبيِّن المُثُل الحق التي تتناغم وعقل ابن آدم وفطرته ردًّا على ما
يُورده الكافرون من أسئلة وشبهات، كما يُورد لكل قضية يعاني منه المجتمع حلَّا
مناسبًا.
وقد درج المفسرون على بيان ظروف نزول الآيات وسموها بأسباب النزول،
حيث كانت الآيات الكريمة تتنزل حسب الظروف والحاجات والتحديات، ولكنها بالتأكيد لا
تنحصر فيها، وإنما فيها من الهدى ما ينفع الظروف المشابهة، وفيها من الحِكَم
والأمثال ما تشمل ساحات أوسع. ثم إن النبي (ص) ومن بعده أهل بيته عليهم السلام
يقومون بتفسير تلك الأمثال وتأويلها.
وهذا ما يُفهم من قوله تعالى: إِلَّا
جِئْنَاكَ، بعد قوله: وَلا يَأْتُونَكَ؛
إذ الحل الإلهي والمثل الرباني يتوجَّه إلى الرسول ليقوم بشرحه وتوضيحه والاستدلال
عليه، فكما أن إشكال الكافرين ومَثَلهم يُرفع بوجه النبي، كذلك الردّ الإلهي
والحكم القرآني يتوجّه إلى النبي ليكون مرجعًا للناس في تحصيل الجواب الإلهي
الشافي.