أورد عليهم بما حاصله أن هذا خروج عن القواعد المنصوصة، لأن المقرر عندهم
أن الأصل يخرج عنه بالدليل، والدليل موجود، وهو القاعدة الكلية المتفق
عليها نصا، وفتوى من أن«كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف
الحرام بعينه»[1]و«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر»[1]فجعل«قده»هاتين القاعدتين دليلا مخرجا عن أصالة عدم التذكية.
و لا يخفى ظهور فساده، لأن قاعدتي الحل والطهارة من الأصول العملية
المجعولة وظيفة للشاك، وليستا من الأمارات الناظرة الى الحكم الواقعي كي
تقدما على الاستصحاب. بل دليل الاستصحاب يخرج مورده عما لا يعلم حرمته، أو
نجاسته، ويدرجه في معلوم الحرمة والنجاسة، ومعه كيف يصح التمسك بدليل حلية
المجهول، أو طهارته، هذا.
و لكن الذي ينبغي ان يقال في المقام: هو أن المستفاد من الأدلة التفصيل بين
الأحكام الأربعة، وترتب اثنين منها-حرمة الأكل وحرمة الصلاة-على غير
المذكى، وترتب الآخرين منها-النجاسة وحرمة الانتفاعات على القول بها-على
عنوان الميتة، فيثبت الأولان باستصحاب عدم التذكية فيحرم أكل اللحم المشكوك
ذكاته ولا تجوز الصلاة في الجلود المشكوكة دون الأخيرين، لأن استصحاب عدم
التذكية لا يثبت عنوان الميتة-كما ذكرنا-فلا تترتب عليه النجاسة، ولا حرمة
الانتفاع [1]هذه القاعدة مستفادة من بعض الروايات، إذ لم يرد نص صريح
بهذا المضمون، راجع الوسائل ج 2 ص 1053 في الباب 37 من أبواب النجاسات.
[1]الوسائل ج 12 ص 58 الباب 4 من أبواب ما يكتسب به.