جامع السعادات - النراقي، المولى محمد مهدي

اسم الکتاب : جامع السعادات المؤلف : النراقي، المولى محمد مهدي الجزء : 3 صفحة : 43

فقال: «شوبوا مجلسکم بذکر مکدر اللذات». قالوا: و ما مکدر اللذات؟
قال: «الموت».
ثم غفلة الناس عن الموت لقلة فکرهم فیه و ذکرهم له، و من یذکره لیس یذکره بقلب فارغ، بل بقلب مشغول بشهوات الدنیا و علائقها، فلا ینفع ذکره فی قلبه، فالطریق فیه: أن یفرغ القلب عن کل شی‌ء إلا عن ذکر الموت الذی بین یدیه، کالذی یرید ان یسافر إلی بلد بعید ما بینهما مفازة مخطرة، أو بحر عظیم لا بد أن یرکبه، فانه لا یتفکر إلا فیه، و من تفکر فی الموت بهذا الطریق و تکرر منه ذلک، لأثر ذکره فی قلبه، و عند ذلک یقل فرحه و سروره بالدنیا، و تنزجر نفسه عنها، و ینکسر قلبه، و یستعد لأجله. و أوقع طریق فیه: أن یکثر ذکر أقرانه الذین مضوا قبله، و نقلوا من انس العشرة إلی وحشة الوحدة. و من ضیاء المهود إلی ظلمة اللحود، و من ملاعبة الجواری و الغلمان إلی مصاحبة الهوام و الدیدان، و یتذکر مصرعهم تحت التراب، و یتذکر صورهم فی مناصبهم و أحوالهم، ثم یتفکر کیف محی التراب الآن حسن صورتهم، و کیف تبددت أجزاؤهم فی قبورهم، و کیف أرملوا نساءهم و أیتموا أولادهم و ضیعوا أموالهم و خلت منهم مساکنهم و مجالسهم و انقطعت آثارهم و اوحشت دیارهم، فمهما تذکر رجلا رجلا، و فصل فی قلبه حاله و کیفیة حیاته، و توهم صورته، و تذکر نشاطه و أمله فی العیش و البقاء، و نسیانه للموت، و انخداعه بمؤثثات الأسباب، و رکونه إلی القوة و الشباب، و میله إلی الضحک و اللهو، و غفلته عما بین یدیه من الموت الذریع و الهلاک السریع، و انه کیف کان یتردد و الآن قد تهدمت رجلاه و مفاصله، و کیف کان ینطق و قد أکل الدود لسانه، و کیف کان یضحک و قد أکل التراب أسنانه، و کیف دبر لنفسه الأمور و جمع من حطام الدنیا مالا یتفق احتیاجه إلیه علی مر الاعوام و الشهور و کر الازمنة و الدهور. ثم یتأمل

اسم الکتاب : جامع السعادات المؤلف : النراقي، المولى محمد مهدي الجزء : 3 صفحة : 43

صيغة PDF

شهادة

الفهرست