و ینشرح الصدر بشروق نوره علیه، و هو غایة ثمرة العبادات. و للذکر أول و آخر، فاوله یوجب الانس و الحب، و آخره یوجبه الأنس و الحب. و
المطلوب منه ذلک الحب و الانس. فان العبد فی بداءة الأمر یکون متکلفا بصرف
قلبه و لسانه عن الوسواس و الفضول إلی ذکر اللّه، فان وفق للمداومة أنس به
و انغرس فی قلبه حب المذکور. و من أحب شیئا أکثر ذکره، و من أکثر ذکر
شیء، و ان کان تکلفا، أحبه. و من هنا قال بعضهم: «کاءدت القرآن عشرین سنة،
ثم تنعمت به عشرین سنة». و لا تصدر النعم إلا من الأنس و الحب، و لا یصدر
الانس و الحب إلا من المداومة علی المکاءدة و التکلف مدة طویلة، حتی یصیر
التکلف طبعا. و کیف یستبعد هذا و قد یتکلف الإنسان تناول طعام یستبشعه
أولا، و یکائد اکله، و یواظب علیه، فیصیر موافقا للطبعه حتی لا یصبر عنه؟
فالنفس تصیر معتادة متحملة لما تکلفت: «هی النفس ما عودتها تتعود». ثم
إذا حصل الانس بذکر اللّه انقطع عن غیر اللّه، و ما سوی اللّه یفارقه عند
الموت، و لا یبقی إلا ذکر اللّه، فان کان قد انس به تمتع به و تلذذ بانقطاع
العوائق الصارفة عنه، إذ ضرورات الحاجات فی الحیاة تصد عن ذکر اللّه، و لا
یبقی بعد الموت عائق، فکأنه خلی بینه و بین محبوبه، فعظمت غبطته، و تخلص
من السجن الذی کان ممنوعا فیه عما به انسه، و هذا الانس یتلذذ به العبد بعد
موته إلی ان ینزل فی جوار الله، و یترقی من الذکر إلی اللقاء، قال الصادق
(ع): «من کان ذاکرا للّه علی الحقیقة فهو مطیع، و من کان غافلا عنه فهو
عاص، و الطاعة علامة الهدایة، و المعصیة علامة الضلالة، و اصلهما من الذکر و
الغفلة، فاجعل قلبک قبلة للسانک، و لا تحرکه إلا باشارة القلب، و موافقة
العقل، و رضا الایمان، فان اللّه