و اما الرجاء: فسببه معرفة لطف
اللّه- تعالی- و کرمه و عمیم انعامه و لطائف صنعه، و معرفة صدقه فی وعده
الجنة بالصلاة. فإذا حصل الیقین بوعده و المعرفة بلطفه، انبعث منها الرجاء. و
اما الحیاء: فسببه استشعار التقصیر فی العبادة، و علمه بالعجز عن القیام
بعظیم حق اللّه، و یقوی ذلک بمعرفة عیوب النفس و آفاتها و قلة اخلاصها و
خبث باطنها، و میلها إلی الحظ العاجل فی جمیع افعالها، مع العلم بجمیع ما
یقتضیه جلال اللّه و عظمته، و العلم بأنه مطلع علی السرائر و خطرات القلب، و
ان دقت و خفیت. و هذه المعارف إذا حصلت یقینا، انبعثت منها- بالضرورة-
حالة تسمی بالحیاء.
فصل (طریق تحصیل المعانی الباطنة)
اعلم ان العلاج فی تحصیل المعانی الباطنة المذکورة، اعنی الحضور و
التفهم و التعظیم و الهیبة و الرجاء و الحیاء، هو تحصیل أسباب هذه المعانی،
و قد عرفت أسبابها. و طرق العلاج فی تحصیل هذه الأسباب انما یتم بأمرین: الأول-
معرفة اللّه، و معرفة جلاله و عظمته و استناد الکل إلیه، و معرفة کونه
عالما بذرات العالم و بسرائر العباد. و یلزم ان تکون هذه المعرفة یقینیة،
لیترتب علیها الأثر. اذ ما لم یحصل الیقین بأمر، لا یحصل التشمر فی طلبه و
الهرب عنه. و هذه المعرفة هی المعبر عنها بالایمان. و لا ریب فی کونها
موجبة لحصول المعانی المذکورة و أسبابها. اذ المؤمن یکون البتة حاضر القلب
مع ربه عند مناجاته، و متفهما لما یسأله عنه، معظما له، و خائفا منه، و
مستحییا من تقصیره. الثانی- فراغ القلب، و خلوه من مشاغل الدنیا. فان انفکاک