و
اللیلة مرة، فیجری به لسانه، و قلبه مردد فی أودیة الأمانی، و ربما أسرع
فی القراءة غایة السرعة، و یظن ان سرعة اللسان من الکمالات، و یتفاخر علی
الأمثال و الأقران. و (منهم) من اغتر ببعض النوافل، کصلاة اللیل، أو
مجرد غسل الجمعة، أو أمثال ذلک، من غیر اعتداد بالفرائض، زاعما أن المواظبة
علی مجرد هذه النافلة ینجیه فی الآخرة، فهو أیضا من المغرورین. و
(منهم) من تزهد و قنع بالدون من المطعم و الملبس و المسکن، ظانا أنه أدرک
رتبة الزهاد، و مع ذلک راغب فی الرئاسة باشتهاره بالزهد، فهو ترک أهون
المهلکین باعظمها، إذ حب الجاه أشد فسادا من حب المال، و لو ترک الجاه و
أخذ المال لکان أقرب إلی السلامة، فهو مغرور، إذ ظن أنه من الزهاد، و لم
یعرف أن منتهی لذات الدنیا الرئاسة، و هو یحبها، فکیف یکون زاهدا؟
الطائفة السادسة (المتصوفة)
و المغترون فیهم أکثر من ان یحصی: (فمنهم) أرباب البوقات، و هم
القلندریة الذین لا یعرفون معنی التصوف و لا شیئا من مراسیم الدین، و صرفوا
اوقاتهم فی التکدی و السؤال من الناس، و یظنون أنهم تارکون للدنیا مقبلون
علی الآخرة، مع انهم لو ظفروا بشیء من أمور الدنیا لأخذوه بجمیع جوارحهم،
فهؤلاء ارذل الناس بوجوه کثیرة لا تخفی. و (منهم) من اغتر بالزی، و المنطق، و لبس الصوف، و اطراق الرأس و ادخاله فی الجیب، و خفض الصوت، و تنفس الصعداء، و تحریک البدن