خلق اللّه- تعالی- لک الأعضاء التی تنظر إلی ظاهرها و لا تعرف أسرارها. فمنها
ما هو آلة للطلب، کالرجل للانسان، و الجناح للطیر، و القوائم للدواب. و
منها ما هو آلة لدفع المؤذی و المانع من طلب الغذاء، کالقرن لبعض
الحیوانات، و الانیاب لبعض أخر منها، و المخلب لبعض آخر منها، و الاسلحة
للانسان القائمة مقام هذه الآلة. و منها ما هو آلة للأخذ و التناول کالیدین
للانسان. ثم لهذه الأعضاء أسباب و حکم خارجة عن الحد و الحصر و قد تقدم
قلیل من حکمها و عجائبها فی باب التفکر.
فصل (عجائب المأکولات)
عمدة ما یتوقف علیه الأکل و أصله و مناطه، هی الاغذیة و الأطعمة
المأکولة، و للّه- تعالی- فی خلقها عجائب کثیرة لا تحصی، و أسباب متوالیة
لا تتناهی. و الاغذیة و الادویة من الأطعمة لم یبلغ عددها من الکثرة حدا
یمکن احصاؤها و حصرها، فضلا عن بیان عجائبها و أسبابها، فنحن نترک الجمیع، و
تأخذ من جملتها حبة من الحنطة، و نبین بعض أسبابها و حکمها و عجائبها.
فنقول: قد خلق اللّه فی حبة الحنطة من القوی ما یغتذی به کما خلق فیک.
فان النبات انما یفارقک فی الحس و الحرکة دون الاغتذاء، لانه یغتذی بالماء. و لا نتعرض لذکر آلات النبات فی اجتذاب الغذاء إلی نفسه، بل نشیر إلی لمعة من کیفیة اغتذاء الحبة. فنقول: ان الحبة لا تغتذی بکل شیء، بل یتوقف اغتذاؤها علی ارض فیها ماء. و
لا بد ان تکون ارضها رخوة متخلخلة یتغلغل الهواء إلیها، فلو ترکتها فی ارض
ندیة صلبة متراکمة لم تنبت لفقد الهواء. ثم الهواء لا یتسرب إلیها