اسم الکتاب : شرح توحید صدوق المؤلف : القمي، القاضي سعيد الجزء : 1 صفحة : 183
و الأزليّة ممّا لا يجتمعان لأنّهما نقيضان إذ الحدوث هو المسبوقيّة
بالغير و الأزل هو اللّامسبوقيّة.
و كيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع الإنشاء
أي من إنشاء الغير إيّاه. و ذلك
[1] لأنّ الحركة بالمعنى الأعمّ- أي باصطلاح الإلهيّات هي الخروج من
القوّة إلى الفعل سواء كان من العدم إلى الوجود أو من نقص إلى كمال- إنّما يكون
بإنشاء الغير، لامتناع اتّحاد مبدأ الحركة و موضوعها؛ فالإنشاء أيضا أعمّ من
الإنشاء الابتدائي و الإنشاء الثانوي كما في قوله تعالى:
ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ[2]. و الذي يجري عليه الحركة، لا يأبى عن الإنشاء مطلقا فكيف هو ينشئ
الأشياء؟! و ذلك لأنّه إنّما نشأ تذوّته و قوامه و وجوده من غيره فكلّ ما يفعل
فانّما يفعل إمّا بذاته أو بصفة فيه، و كلّه من غيره، فكيف هو ينشئ شيئا؟! و
بالجملة، فالمعلول إنّما هو كلّه من علّته على ما هو الحقّ في معنى العليّة، فلو
فعل شيئا أو اقتضى أمرا فانّما ذلك من مذوّته و علّته التي هي محيطة به و قيّوم
ذاته؛ و هذا هو معنى «توحيد الأفعال».
اذا، لقامت فيه آية المصنوع و لتحوّل دليلا بعد ما كان مدلولا عليه
أي لو كان لا يمتنع من إنشاء الغير إيّاه و لو بوجه، لقامت فيه علامة
المصنوعيّة [3]، فيصير دليلا على صانع؛ و قد فرض أنّه
مدلول عليه بكلّ دليل لتناهي العلل إليه و انتهاء الأسباب إلى ما لديه.