دخلت الفاء في الخبر لخروج المبتدإ باعتبار صلته مخرج الشرط. و ذكر
ملأ الأرض ذهبا لأنه غاية ما يعظم في عين الإنسان نوعا من المال و البدل و الوسيلة
للخلاص فلا ينفعه ذلك لو تصدق به و نحو ذلك لأن اعمال الكافر حابطة لا يستحق بها
الجزاء ممن كفر بهوَ لَوِ افْتَدى بِهِ و قدمه بعنوان الفداء و
هذا غاية ما يدخل في تصور نوع الإنسان من التهويل و التخويف «وَلَعَذابُ
الْآخِرَةِ أَشَدُّ»أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ على اللّه. يا ايها
المؤمنون
88لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ و يكون انفاقكم برا يرضاه
اللّه بأن تنفقوا الشيء الزهيد الذي لا ترضونه بلحَتَّى
تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ و ترغبون بماليته فإن قصدكم التقرب الى اللّه إنما يظهر ببذلكم لوجهه
الكريم ما لا تستحقرونهوَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ لا يخفى عليه شيء منه و لا
من نياتكم في إنفاقه و هو مجازيكم عليه و يضاعف لكم الجزاء كما وعدكم بذلك في
القرآن الكريم فلا تخشوا أن يفوتكم من انفاقكم و إخلاصكم في النية شيء 89كُلُّ
الطَّعامِ
أي أصول المطعوماتكانَ حِلًّا
لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ أي يعقوبعَلى نَفْسِهِ
مِنْ قَبْلِ
متعلق بحرّم و قيل بتعلقه بقوله تعالى «حِلًّا» و يدفعه لزوم الفصل باجنبي و هو جملة «إلا ما حرّم» المشعرة بتمام ما
قبلها فيلزم التعقيد و الإيهام. نعم يفهم من قوله تعالى «كانَحِلًّا» انه من قبل أن تحرمه
التوراة بتنزيلهاأَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ على موسى. و للتنبيه على
تفسير الآية ثلاث مقدمات- الأولى- قال علي بن ابراهيم القمي في تفسيره هذا الكلام
حكاية عن اليهود و لفظه لفظ الخبر. أي انه كلام اليهود و من دعاويهم الكاذبة. و هو
في الآية في مقام الاستفهام الانكاري و حذفت منه اداة الإنكار لدلالة قوله تعالىفَأْتُوا
بِالتَّوْراةِ.فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ. كما حذفت اداة الاستفهام لدلالة المقام عليها في قوله تعالى في سورة
البقرة 74قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ
اللَّهُ عَهْدَهُ و قوله تعالى في سورة الشعراء 21وَ تِلْكَ
نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ على الصحيح من تفسير ذلك
بإنكار موسى على فرعون و لو كان هذا