عداوتهم للتوحيد و دين الحق و محادّتهم للّه و رسوله لا يمنعهم عن
عداوتهم و قتالهم للمسلمين حرمة للشهر الحرام و لا حرمة البيت الحرام فليس لهم أن
يلوذوا بالحرمات بل يحتج عليهم بقصاصهم بذلك و اما نفس الحرمات فلم تسقط و لا يقتص
منها بجناية المشركين بل عارضتها حرمة اللّه في نصر توحيده و رسوله و دين الحق و
احترام الحرمات. و الأشهر الحرم هي رجب الفرد و ذو القعدة و ذو الحجة و محرم و لعل
الأصل في حرمتها شريعة ابراهيم كحرمة البيت فاستمر العرب على ذلك و أمضاه الإسلامفَمَنِ
اعْتَدى عَلَيْكُمْ حدود الحقفَاعْتَدُوا عَلَيْهِ حدود السلم و المجاراة و
أفرد الضمير في «عليه»
باعتبار لفظ «من»بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ
وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ و ناصرهم
193وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَ لا تُلْقُوا أنفسكمبِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ و هذا النهي عام لكل
اقتحام في اسباب التهلكة و مظانها و لا بد من أن يكون النهي مقيدا بما إذا لم يكن
في ذلك الاقتحام حياة الدين و نصرته كما في نهضة رسول اللّه (ص) في أول دعوته و
اقدام سيد الشهداء في امتناعه عن بيعة يزيد في مثل زمانهوَ أَحْسِنُوا اعملوا الحسن و اطلبوه في
أفعالكم و تروككم على حد قوله تعالى في سورة الكهفإِنَّا لا
نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا و غير ذلكإِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ لأعمالهم و تروكهم و ما أعظم هذا التعليم الجامع للخير فإن احسان
العمل و الترك غير خفي و ان غالطت فيه الأهواء بما لا يخفى على العقل من التدليس.
و من مصاديق احسان العمل ما جاءت فيه رواية الكافي.
و عن العياشي عن أبي عبد اللّه (ع) لو ان رجلا أنفق
ما في يديه في سبيل اللّه ما كان احسن و لا وفق أ ليس يقول اللّهوَ لا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ أي المقتصدين.
فإن المقتصد هو الذي عمل الحسن و احسن عمله و ان معنى التهلكة. و
مقام الإمام (ع) و
قوله ما كان احسن
و تفسيره المحسنين بالمقتصدين لا يدع مجالا للقول بأن مضمون الرواية
قريب من تفسير التهلكة بالإسراف 194وَ أَتِمُّوا
الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ العمرة منصوبة بالعطف على
الحج و الحج و العمرة عبادتان معروفتان قد ذكرت اجزاؤهما و شروطهما في السنة