أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ
غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً[1] منتشرا في أبوابه و مقاصده. فهل يمكن في العادة أن يكون كل هذا من
بشر قد ذكرنا لك عصره و نشأته و تربيته و بلاده و قومه و جهلهم الوحشي الوثني و لك
العبرة بكتب العهدين و هي التي منذ قرون عديدة يصفق لاستحسانها اكثر العالم
المفتخر بالعلم و التمدّن و ينسبونها بكمال الاحتفال الى كرامة الوحي- فكم و كم
يوجد فيها من الوهن و السقوط و الاختلاف و التناقض و قد ذكر شيء من ذلك في كتب
اظهار الحق و الهدى.
و الرحلة المدرسية. و اعتبر ايضا بأن كل واحد من الأناجيل لا يزيد
على صحيفة اسبوعية و قد كثر فيها الخبط و التناقض و الاختلاف الى حد مهول مدهش و
قد ذكر شيء منه في الجزء الاول من كتاب الهدى صفحة 196- 234 و ايضا ان الأناجيل و
كتب العهد الجديد مؤسسة على ان كتب العهدين الرائجة هي كتب وحي إلهي صحيحة. إذن
فاعتبر بأنه كم وقع الاختلاف و التناقض بين الأناجيل و العهد الجديد و بين العهد
القديم و قد ذكر شيء مما ذكرنا في الجزء الأول من الرحلة المدرسية صفحة 132- 184
اعجازه في وجهة التشريع العادل و نظام المدنية
قدّر رسول اللّه (ص) بشرا عاديا في مثل ما ذكرناه مرارا في عصره و
نشأته و تربيته و بلاده و قومه و جهلهم و عاداتهم الوحشية. ثم انظر هل يمكن في
العادة لمثل هذا البشر إذا لم يكن موحى اليه ان يأتي من عنده و من بشريته بمثل ما
أتى به في القرآن الكريم من الشريعة الحقوقية العادلة و القوانين القيمة و الأنظمة
المعقولة الجارية بأجمعها على ما هو الصالح للبشر في المدنية و الاجتماع و السياسة
و الحرب و مقدماتها و نتائجها. و جرت في عنايتها بالإصلاح من ادارة جميع العالم
إلى الإدارة العائلية و البيتية و الزوجية بل و إلى شؤون الكاتب و الشاهد كما في
سورة البقرة آية 282 فمنعت فيها من مضارة الكاتب و الشاهد و نهت عن ان يحملا من
أجل الكتابة و الشهادة و أدائها ضرر المشقة و العناء و تضييع وقت اكثر من الوقت
الطبيعي لمحض الأداء. و في ذلك عبرة لأولي الألباب. و إليك فانظر ما في القرآن الكريم
من الشرائع و القوانين العامة و الخاصة و اعتبر بكرامتها و مجدها في التشريع
الفائق و الإصلاح الحميد. و لا تحتاج معرفة مجدها و كرامتها إلى المقايسة و
الاعتبار بشرائع قطره و قومه تلك الشرائع الجائرة الوحشية الوثنية. نعم تزداد
بصيرة إذا نظرت إلى شرائع التوراة الرائجة التي يعتبرها اليهود