responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 4  صفحة : 329

والجزيرة ولسيف الدولة حلب والعواصم وما إليها وكان ناصر الدولة لا يخلو من منازعة البويهيين له وسيف الدولة يحارب الروم غالبا وسيد بني حمدان ورئيسهم سيف الدولة ووزيره وقائده الأول ومحل اعتماده في الحروب وقيادة الجيوش وحماية المملكة أبو فراس لم يكن سيف الدولة وأبو فراس طالبي ملك صرف وامارة محضة بل كان لهما باعث ديني وغيرة وطنية يبعثهما على حماية المملكة وحفظها فسيف الدولة يجمع من غبار غزواته للروم التي كان يقصد منها رد عاديتهم عن بلاده لبنة ويوصي ان توضع تحت رأسه في قبره وأبو فراس يقول لسيف الدولة:
فأحوط للاسلام ان لا يضيعني * ولي عنك فيه حوطة ومناب وان رجلا كسيف الدولة وابن عمه أبي فراس يستطيعان انشاء دولة قوية عربية اسلامية نمت في ظلها العلوم العربية والاسلامية والأدب العربي نموا فائقا في عصر تفككت فيه عرى الاسلام والعروبة وفي بقعة محاطة بالروم من جهة وبالأخشيديين والبويهيين الأقوياء من جهات أخرى ومشحونة في داخلها بدعايات القرامطة والخوارج وفتنهم وبغزوات الأكراد والقبائل العربية وفسادهم لرجلان فريدان عظيمان خلد التاريخ ذكرهما في صفحاته بالعز والفخر.
ومما يلفت النظر ان جميع ملوك الاسلام كانوا في ذلك الوقت مشغولين بلذاتهم أو بالحروب بينهم. وبنو حمدان وحدهم هم الحامون للثغور والواقفون في وجه الروم يصدونهم عن غزو بلاد الاسلام ولم يجسر الأجنبي على اقتحام تلك الثغور الا بعد انقضاء دولتهم والى ذلك يشير بعض شعراء ذلك العصر بقوله يمدح سيف الدولة وأبا فراس:
طلعت لهم فوق الدروب سحابة * تهمي بصوبي عثير وقتام والمسلمون بمعزل منهم سوى * من أفردوه لنصرة الاسلام وأبو فراس في الهياج أمامه * مثل الحسام بدا امام حسام عصره العلمي والأدبي كان أبو فراس في عصر ملئ بأعاظم العلماء ومشاهير الكتاب وأكابر الشعراء وكانت حضرة سيف الدولة التي نشا فيها أبو فراس وتربى وترعرع تعج بالمشاهير الفحول من هؤلاء فمن الشعراء المتنبي والسري بن أحمد الرفا الموصلي وأبو العباس أحمد بن محمد النامي والزاهي علي بن إسحاق البغدادي والناشي الأصغر علي بن عبد الله بن وصيف والخالديان أبو بكر وأبو عثمان. وأبو الفرج الببغا عبد الواحد بن نصر الشامي. وأبو نصر بن نباتة التميمي من شعراء العراق والوأواء الدمشقي وأبو بكر الخوارزمي وأبو الحسن علي بن محمد الشمشماطي والقاضي الجرجاني أبو الحسن علي بن عبد العزيز. وأبو القاسم الشيظمي وأبو الحسن محمد بن سامي الشعباني المعروف بالمغنم المصري وأبو محمد الفياضي الكاتب وأبو إسحاق الصابي وسلامة بن الحسين الموصلي. والقاضي أبي الحصين علي بن عبد العزيز الرقي وغيرهم ذكر أكثرهم ابن النديم في الفهرست والثعالبي في اليتيمة وقال الثعالبي يقال إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة من شيوخ الشعر ونجوم الدهر. ومن العلماء الفارابي وابن خالويه النحوي الأديب اللغوي وأبو الفرج الأصبهاني وغيرهم فنشأ أبو فراس في هذا المجتمع الأدبي العلمي فاقتبس من نوره. واستضاء بهديه وصحب ابن خالويه وتلمذ عليه واستفاد منه ولا شك في أن للصحبة والعشرة اثرها في مثل ذلك لا سيما إذا انضاف إليها فكر وقاد وفهم حاذق ونفس شديدة الانطباع كفكر أبي فراس وفهمه ونفسه فلا جرم ان نشا أبو فراس بهذه المنزلة المتميزة في الشعر والأدب والعلم والمعرفة.
أدبه وشعره وأسلوبه أبو فراس شاعر مفلق من فحول الشعراء المتميزين وكاتب بليغ احرز قصب السبق في ميدان الأدب بشعره ونثره وان كان المأثور عنه من النثر شيئا يسيرا وهو شاعر وجداني قوي العاطفة رقيق الاحساس فياض الشعور غزير المواهب مصقول الألفاظ بديع المعاني سابق في الإجادة تهتز بشعره النفوس وتفيض من جوانبه الرقة والانسجام وتعلوه الفخامة والمتانة. وهو طويل النفس وقصيدته الرائية التي يفتخر فيها بقومه تزيد على 240 بيتا كلها في غاية المتانة والقوة والانسجام لم يزدها طولها الا حسنا وقوة ومتانة مع أنه استوفى فيها ذكر عشيرته ومفاخرهم وأيامهم فاشتمل بسبب ذلك أكثرها على القصص التي تحتاج الإجادة في نظمها إلى قوة شعرية قوية ومادة غزيرة.
وفي اليتيمة: شعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك ولم تجتمع هذه الخلال قبله الا في شعر عبد الله بن المعتز وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام وكان الصاحب يقول بدئ الشعر بملك وختم بملك يعني امرأ القيس وأبا فراس اه‌.
وأنت إذا تأملت شعره في جميع الفنون في جزالته ومتانته وعذوبته وسلاسته وانسجامه وأخذه بمجامع القلوب وجمعه لأنواع المحاسن التي تطلب من الشعراء علمت أنه ليس في شئ من المبالغة اقترانه إلى ملك الشعراء امرئ القيس بل من يفضله على المتنبي ليس مبالغا فان المتنبي وان ساواه أو فضله في ابعاض من شعر المتنبي الا انه لا يكاد يساويه في مجموع شعريهما فإنك لا تكاد تجد في شعر أبي فراس ما يعاب أو ينتقد بل جله أو كله مهذب مصفى في غاية الانسجام والبلاغة والرقة والمتانة سلم من السقطات مع ما في شعر المتنبي من السقطات الكثيرة وحسب أبي فراس قول سيف الدولة الشاعر الملك لما طلب إجازة بيت قاله ليس لها الا سيدي كما مر.
وشعر أبي فراس صور صادقة لشخصيته. وقد كان في شخصيته القوة والصفاء والوضوح وهي كذلك ظاهرة في شعره، وكما كانت شخصية أبي فراس تتدفق بالحيوية كذلك شعره يفيض بالرجولة والحياة، وقد مر بنا ان حياة أبي فراس كانت مجالا ممتازا لتحقيق أغراضه ومطامح نفسه لذلك بعد شعره كل البعد عن أن يحمل صورا من التشاؤم والنقمة كالذي نراه في شعر المتنبي، وانما كانت صوره الشعرية مشرقة نابضة بالحياة والفتوة. واما أسلوبه فعنصر متمم لشعره الذي يمثل شخصيته، هو أسلوبه في الحياة:
سهولة ومتانة ورقة، ينسجم مع معانيه وأغراضه الشعرية لفظا وتركيبا انسجاما جميلا رائعا.
وقد ابان أبو فراس رأيه في الشعر وأشار إلى ميزة في شعره هي انه مقصور على الفخر ومدح عشيرته ومقطعات تحلى بها كتبه ورسائله خال من المديح و الهجاء والمجون في أبياته التي افتتح بها ابن خالويه ديوانه الذي جمعه حيث يقول:
الشعر ديوان العرب * ابدا وعنوان الأدب

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 4  صفحة : 329
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست