responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 4  صفحة : 326

وقصته مع الحاتمي مشهورة [1] وكان معجبا بشعره لا يرى لشاعر عليه فضلا بل لا يرى أن أحدا يستطيع ان يجري معه في حلبة الشعر فهو يقول بمسمع من أبي فراس:
خليلي ما لي لا أرى غير شاعر * فكم منهم الدعوى ومني القصائد ويقول:
أفي كل يوم تحت ضبني [2] شويعر * ضعيف يقاويني قصير يطاول ومن كانت هذه صفته وهذه حاله لا يمكن ان يرى لأبي فراس حقا ولا يرعى له مكانة ولا يوفيه ما يستحقه من اجلال وتكريم. مع ما ينضاف إلى ذلك من كون أبي فراس شاعرا مفلقا يزاحم المتنبي في المكانة عند سيف الدولة وفي مدح سيف الدولة ووصف حروبه ووقائعه - وعدو المرء من يعمل عمله - ومن كونه مقربا عند سيف الدولة بشعره الفائق وشجاعته وبطولته وقيادته لجيوش سيف الدولة مع كونه ابن عمه وخال أولاده وكل ذلك مما يبعث الحسد والكراهة لأبي فراس في نفس المتنبي ويؤدي إلى شئ من التقصير في حقه وما كان في الجنان لا بد ان يظهر منه شئ على صفحات الوجه واللسان وأبو فراس مع ما فيه من الامارة والبطولة والشجاعة وقيادة الجيوش والقرب من سيف الدولة وهو في ريعان الشباب ولشعره المكانة السامية في نفس سيف الدولة وشعراء عصره لم يكن مع اجتماع هذه الخلال فيه ليحتمل من المتنبي تقصيرا في حقه واخلالا بمكانته رغما عما طبع عليه من مكارم الأخلاق فلا جرم ان يقع في نفسه من النفرة من المتنبي والعداوة أكثر مما وقع في نفس المتنبي منه ويؤدي ذلك إلى أن يذمه أبو فراس ويقع فيه عند سيف الدولة ولا بد ان يبلغ ذلك المتنبي فيزيد ما في نفسه على أبي فراس فمع كل هذه الأحوال كيف يمكن ان يمدحه المتنبي بل لو أمكنه لجاهر بذمه. هذا هو السبب لعدم مدح المتنبي له مع مدحه من دونه من بني حمدان الذين لم تكن فيهم هذه المزاحمة والمنافسة للمتنبي لا بالشاعرية ولا بغيرها لا ما ذكره الثعالبي. ولو لم يرد في هذا السبب شئ من المؤرخين لكفي فيه ما مر سواء أصح ما ذكره المؤرخون أم لم يصح فلسنا بحاجة اليه والذي ذكرناه كاف في بيان السبب في عدم مدح المتنبي له. اما الذي يدل على وقوع النفرة بينهما من كلام المؤرخين فهو ما ذكره صاحب الصبح المنبي عن حيثية المتنبي قال: قال ابن الدهان في المآخذ الكندية قال أبو فراس لسيف الدولة ان هذا المتشدق كثير الادلال عليك وأنت تعطيه كل سنة ثلاثة آلاف دينار على ثلاث قصائد ويمكن ان تفرق مائتي دينار على عشرين شاعرا يأتون بما هو خير من شعره فتأثر سيف الدولة من هذا الكلام وعمل فيه وكان المتنبي غائبا وبلغته القصة فدخل على سيف الدولة وانشد:
ألا ما لسيف الدولة اليوم عاتبا * فداه الورى امضى السيوف مضاربا إلى تمام ستة أبيات فاطرق سيف الدولة ولم ينظر اليه كعادته فخرج المتنبي من عنده متغيرا وحضر أبو فراس وجماعة من الشعراء فبالغوا في الوقيعة بحق المتنبي وانقطع أبو الطيب بعد ذلك ونظم القصيدة التي أولها:
واحر قلباه ممن قلبه شبم * ومن بجسمي وحالي عنده سقم وأنشدها وجعل يتظلم فيها من التقصير في حقه بقوله:
ما لي اكتم حبا قد برى جسدي * وتدعي حب سيف الدولة الأمم ان كان يجمعنا حب لغرته * فليت انا بقدر الحب نقتسم قد زرته وسيوف الهند مغمدة * وقد نظرت اليه والسيوف دم فهم جماعة بقتله في حضرة سيف الدولة لشدة إدلاله واعراض سيف الدولة عنه فلما وصل في انشاده إلى قوله:
يا اعدل الناس الا في معاملتي * فيك الخصام وأنت الخصم والحكم قال أبو فراس مسخت قول دعبل وأدعيته وهو:
ولست أرجو انتصافا منك ما ذرفت * عيني دموعا وأنت الخصم والحكم [3] فقال المتنبي:
أعيذها نظرات منك صادقة * ان تحسب الشحم فيمن شحمه ورم فعلم أبو فراس انه يعنيه فقال ومن أنت يا دعي كندة حتى تأخذ اعراض الأمير في مجلسه واستمر المتنبي في انشاده ولم يرد عليه إلى أن قال:
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا * بأنني خير من تسعى به قدم أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي * وأسمعت كلماتي من به صمم فزاد ذلك أبا فراس غيظا وقال له سرقت هذا من قول عمرو بن مرة بن العبد:
أوضحت من طرق الآداب ما اشتكلت * دهرا وأظهرت أغرابا وابداعا حتى فتحت باعجاز خصصت به * للعمي والصم أبصارا وأسماعا ولما وصل إلى قوله:
الخيل والليل والبيداء تعرفني * والسيف والرمح والقرطاس والقلم قال أبو فراس وماذا أبقيت للأمير إذا وصفت نفسك بالشجاعة والفصاحة والرياسة والسماحة تمدح نفسك بما سرقته من كلام غيرك وتأخذ جوائز الأمير أما سرقت هذا من قول الهيثم بن الأسود النخعي الكوفي المعروف بابن عريان العثماني:
أعاذلتي كم مهمه قد قطعته * أليف وحوش ساكنا غير هائب أنا ابن العلى والطعن والضرب والسري * وجرد المذاكي والقنا والقواضب حليم وقوره في البلاد وهيبتي * لها في قلوب الناس بطش الكتائب فقال المتنبي:
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره * إذا استوت عنده الأنوار والظلم فقال أبو فراس وهذا سرقته من قول معقل العجلي:
إذا لم أميز بين نور وظلمة * بعيني فالعينان زور وباطل وغضب سيف الدولة من كثرة مناقشته في هذه القصيدة وكثرة دعاويه


[1] الحاتمي هو أبو علي محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي (نسبة إلى أحد أجداده) الكاتب اللغوي البغدادي مذكور في انساب السمعاني واليتيمة ومعجم الأدباء وتاريخ ابن خلكان وغيرها بكل وصف جميل وملخص القصة كما حكاه الحاتمي ان المتنبي لما ورد مدينة السلام منصرفا من مصر التحف رداء الكبر واذال ذيول التيه وصعر خده ونأى بجانبه ثم ذكر انه ورد علنه فاما رآه المتنبي واقبل على قوم يقرأون عليه شعره ثم. بخه الحاتمي وانتقد عليه أشياء في شعره لم يكن له عنها جواب وقد أوردنا القصة مفصلة في الجزء الثالث من كتابنا معادن الجواهر ص 79 - 90.
[2] الضبن يقرب من الإبط.
[3] سيأتي ان هذا المعنى الذي قال أبو فراس ان المتنبي أخذه من دعبل عاد هو فنظمه

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 4  صفحة : 326
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست