responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 1  صفحة : 72

يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم اه.
أقول: عد الذهبي علم الكلام والمنطق ورصد الكواكب علما جديدا مرديا ولم يصب في ذلك وفتح الباب لمن يريد أن يعيب الاسلام بأنه دين جمود وجهل وحاشاه من ذلك فهو الذي حث على العلم والنظر والاستدلال وأمر بطلب العلم من المهد إلى اللحد وبطلب العلم ولو في الصين: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يخشى الله من عباده العلماء. فعلم الكلام والاستدلال، به تقوم الحجة على إثبات العقائد الحقة التي لا يجوز فيها التقليد وتجب معرفتها بالدليل وعلم المنطق معين على قوة الاحتجاج وصحة الاستدلال ورصد الكواكب مطلع على آثار قدرة الله وعظيم صنعه وعجائب خلقه مندوب إليه: بمقتضى قوله تعالى أ ولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ.
أ ولم يفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق. إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب إلى قوله ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا. أ فلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج. وليس في شئ من ذلك ما ينافي علم النبوة ولا توحيد المؤمنين بل يصدق علم النبوة وعلم القرآن الذي فيه تبيان كل شئ ويؤيد توحيد المؤمنين ويشد قلوبهم بالايمان. وما دعا إليه الذهبي من الجمود والتقليد في العقائد هو المردي المهلك الذي لا يلائم علم النبوة ولا توحيد المؤمنين فعلم النبوة دعا إلى البحث والاستدلال. أما قوة شوكة الرافضة والمعتزلة التي ساءت الذهبي لأنه يرى عقيدته وحيا منزلا ويريد حمل الناس عليها شاؤوا أم أبوا مع أن ما يخالفهم فيه هو من الأمور الاجتهادية التي يجوز فيها الخطا وليست من ضروريات الدين ولا من أركان الاسلام مثل مسألة الإمامة ورؤية الباري تعالى يوم القيامة وإن العباد مجبورون على أفعالهم وإنكار الحسن والقبح العقليين وخلق القرآن وإن صفات الله غير ذاته.
وهذه هي عمدة المسائل المختلف فيها بين الأشاعرة والشيعة والمعتزلة كما سيأتي في البحث العاشر ويجوز أن يكون الحق فيها مع الشيعة والمعتزلة إذ للنظر والرأي والاجتهاد فيها مجال ولا يجوز فيها التقليد، والذهبي وغيره إنما يتبعون فيها قول الأشعري الذي يجوز عليه الخطا ولم يرد في ذلك من نص النبوة ما يجعله ضروريا والخصم يدعي ورود النص فيها على ما يوافقه كما أشار إليه من قال من المعتزلة بلا ولن والقدقفة في الأبيات المشهورة ولذلك لم يحمل النبي ص من يريد الاسلام على الاقرار بها بل اكتفى منه باظهار الشهادتين والالتزام بضروريات احكام الشرع. وهكذا خلق القرآن أمر اجتهادي ليس من ضروريات الدين ولعل الصواب فيه مع المثبتين وإذا كان العقل المنزه عن شوائب التقليد هو الحكم في أمثال ذلك فلا وجه لعزله عن الحكم وتقليد من يجوز عليه الخطا ومن قال بعدم خلق القرآن إنما اعتمد على إثبات الكلام النفسي الذي هو غير الحروف والأصوات والذي هو معنى قائم بالنفس غير الإرادة والكراهة والعلم، مع أنه ليس من المعقول شئ وراء هذه كما ستعرف في البحث العاشر، وإذا عرفت ما كنت تنكر أو أنكرت ما كنت تعرف بدليل وبرهان فليس ذلك من البلاء بل من البلاء البقاء على ما كنت تعرف وهو باطل أو على إنكار ما كنت تنكر وهو حق إنا وجدنا آباءنا إما تقديم عقول الفلاسفة وعزل منقول اتباع الرسل فكلام روحه التمويه أو الجهل فعقول الفلاسفة كعقول غيرهم يلزم إتباعها فيما تصل إلى ادراكه كبطلان المحال وعدم إمكان اجتماع النقيضين، وعزلها فيما لا يمكنها إدراكه كاحكام الشرع التعبدية، فان نقل عن اتباع الرسل ما ظاهره أن الله جسم تعالى عن ذلك وأنه يرى بلا كيف بالعين الباصرة مع حكم العقل باستحالة ذلك فلا بد من تأويل ما يوهم ظاهره المحال، بل لو نقل ذلك عن الرسل المعصومين من الخطأ أو كان في القرآن الكريم مثل الرحمن على العرش استوى لوجب تأويله لقبح أن يكلفنا الله بما نراه محالا وأما المماراة في القرآن فلا ندري ما يريد بها فالقرآن فيه النص والظاهر والمأول والمحكم والمتشابه والعام والخاص والناسخ والمنسوخ والمجمل والمبين وأكثر هذه تختلف فيها الأنظار وتحتاج إلى البحث والاستدلال فمن لا يماري ولا يجادل في القرآن ويريد أن يتبع طريقة الذهبي ما يصنع في هذه الموارد إذا اختلفت فيها الأنظار وبأيها يعمل حتى لا يكون مماريا؟! أ يختار ما تلقفه عمن يجوز عليهم الخطا فلا يكون معذورا أم يبحث ويجتهد فيكون مماريا؟! أما السنن والآثار فلا يتبرم بها مسلم بعد ثبوتها ولكن إذا خالفت ظواهرها أحكام العقول وجب تأويلها وليس ذلك تبرما بها بل حفظا لها عن اعتراض المعترضين. وأما نهيه عن مضلات الأهواء فليس في المسلمين من يعتقد في أمر أنه من مضلات الأهواء ويتبعه الا أن يكون معاندا ولكن ربما يكون ما يراه الذهبي هوى مضلا سنة هادية وما يراه سنة هادية هوى مضلا إذا كانت طريقته الحث على التقليد والنهي عن النظر وحكم العقل. أما نهيه عن مجاراة العقول فإذا عزل العقل عن وظيفته فبما ذا يميز بين الحق والباطل وبما ذا يعلم صدق الدعوى من مدعي النبوة أو كذبها؟!
كلام في نهج البلاغة ومن التحامل على أمير المؤمنين ع التماس الوجوه والطرق والوسائل لانكار نسبة نهج البلاغة إليه وأنه من تاليف السيد الرضي كله أو بعضه تارة بأنه ركيك العبارة ونفسه لا يوافق نفس القرشيين كما يقول الذهبي في ميزان الاعتدال وتارة بان فيه اسجاعا والسجع لم يكن معروفا في ذلك العصر وتارة بان خطبته في وصف الطاووس تناسب مذاق المتأخرين لا القدماء وتارة بمجرد الإنكار العاري عن الحجة إلى غير ذلك مما فساده وسخافته أوضح من أن يبين. ففي كتاب تاريخ الأدب العربي للأستاذ احمد حسن الزيات المصري صفحة 90 ما لفظه: ولا نعلم بعد رسول الله ص فيمن سلف وخلف أفصح من علي في المنطق ولا ابل منه ريقا في الخطابة كان حكيما تتفجر الحكمة من بيانه وخطيبا تتدفق البلاغة على لسانه وواعظا ملء السمع والقلب ومترسلا بعيد غور الحجة ومتكلما يضع لسانه حيث شاء وهو بالاجماع أخطب المسلمين وإمام المنشئين وخطبه في الحث على الجهاد ورسائله إلى معاوية ووصف الطاووس والخفاش والدنيا وعهده للأشتر النخعي إن صح تعد من معجزات اللسان العربي وبدائع العقل البشري وما نظن ذلك قد تهيا له إلا لشدة خلاطه الرسول ومر انه منذ الحداثة على الكتابة له والخطابة في سبيله، ثم قال: كلام أمير المؤمنين يدور على أقطاب ثلاثة الخطب والأوامر والكتب والرسائل والحكم والمواعظ وقد جمعها على هذا النسق الشريف الرضي في كتاب سماه نهج البلاغة لأنه كما قال بحق يفتح للناظر فيه أبوابها ويقرب عليه طلابها فيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد ويضئ في أثنائه من الكلام في التوحيد والعدل ما هو بلال كل غلة وجلاء كل شبهة والصحيح أن أكثر ما في الكتاب منحول مدخول انتهى.

اسم الکتاب : أعيان الشيعة المؤلف : الأمين، السيد محسن    الجزء : 1  صفحة : 72
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست