اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 73
فلا تطلب الأعضاء
معلومها : من الغذاء المعتاد ، لاشتغالها بما هو أحب إليها وإلى الطبيعة منه. والطبيعة
إذا ظفرت بما تحب : آثرته على ما هو دونه.
وإن كان الوارد مؤلما أو محزنا أو مخوفا
: اشتغلت بمحاربته ومقاومته ومدافعته ، عن طلب الغذاء. فهي ـ في حال حربها ـ في
شغل عن طلب الطعام والشراب. فإن ظفرت في هذا الحرب : انتعشت قواها ، وأخلفت [١] عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام والشراب.
وإن كانت مغلوبة مقهورة : انحطت قواها بحسب ما حصل لها من ذلك. وإن كانت الحرب
بينها وبين هذا العدو سجالا : فالقوة تظهر تارة ، وتخفى أخرى. وبالجملة : فالحرب
بينهما على مثال الحرب الخارج بين العدوين المتقابلين ، والنصر للغالب. والمغلوب :
إما قتيل ، وإما جريح ، وإما أسير.
فالمريض له مدد من الله تعالى يغذيه به
زائدا على ما ذكره الأطباء : من تغذيته بالدم. وهذا المدد بحسب ضعفه وانكساره ، وانطراحه
بين يدي ربه عز وجل. فيحصل له من ذلك ما يوجب له قربا من ربه. فإن العبد أقرب ما
يكون من ربه : إذا انكسر قلبه ، ورحمة ربه قريبة منه. فإن كان وليا له : حصل له من
الأغذية القلبية ، ما تقوى به قوى طبيعته وتنتعش به قواه ، أعظم من قوتها
وانتعاشها بالأغذية البدنية. وكلما قوى إيمانه وحبه لربه وأنسه به وفرحه به ، وقوى
يقينه بربه ، واشتد شوقه إليه ورضاه به وعنه ـ : وجد في نفسه من هذه القوة ، مالا
يعبر عنه ، ولا يدركه وصف طبيب ، ولا يناله علمه.
ومن غلظ طبعه ، وكثفت نفسه عن فهم هذا
والتصديق به ـ : فلينظر حال كثير من عشاق الصور الذين قد امتلأت قلوبهم بحب ما
يعشقونه : من صورة ، أو جاه ، أو مال ، أو علم. وقد شاهد الناس من هذا عجائب في
أنفسهم ، وفى وغيرهم.
وقد ثبت في الصحيح ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم ـ : أنه كان يواصل
في الصيام ( الأيام ) [٢]
[١] كذا بالزاد : (ص
٩٣). وفى الأصل : « واختلفت » ، وهو تحريف.