اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 307
وقد جربت أنا وغيري ـ من الاستسقاء بماء
زمزم ـ أمورا عجيبة ، واستشفيت به من عدة أمراض [١] : فبرأت بإذن الله. وشاهدت من يتغذى به
الأيام ذوات العدد ـ قريبا من نصف الشهر أو أكثر ـ ولا يجد جوعا ، ويطوف مع الناس
كأحدهم ، وأخبرني : أنه ربما بقى عليه أربعين يوما ، وكان له قوة : يجامع بها أهله
، ويصوم ، ويطوف مرارا.
( ماء النيل )
: أحد أنهار الجنة ، أصله من وراء جبال القمر ـ في أقصى بلاد الحبشة ـ من أمطار
تجتمع هنا لك ، وسيول يمد [٢]
بعضها بعضا ، فيسوقه الله تعالى إلى الأرض الجرز التي لا نبات لها ، فيخرج به زرعا
تأكل منه الانعام والأنام.
ولما كانت الأرض التي يسوقه إليها
إبليزا صلبة ـ إن أمطرت مطر العادة : لم ترو ، ولم تتهيأ للنبات. وإن أمطرت فوق
العادة : ضرت المساكن والساكن ، وعطلت المعايش والمصالح ـ : فأمطر البلاد البعيدة
، ثم ساق تلك الأمطار إلى هذه الأرض في نهر عظيم ، وجعل سبحانه زيادته في أوقات
معلومة ، على قدر رى البلاد وكفايتها. فإذا روى [٣] البلاد وعمها : أذن سبحانه بتناقصه
وهبوطه. لتتم المصلحة بالتمكن من الزرع. واجتمع في هذا الماء الأمور العشرة التي
تقدم ذكرها [٤]
، وكان من ألطف المياه وأخفها ، وأعذبها وأحلاها.
(ماء البحر). ثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال في البحر
: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».
وقد جعله ( الله ) سبحانه ملحا أجاجا ، مرا
زعاقا ، لتمام مصالح من هو على وجه الأرض : من الآدميين والبهائم. فإنه دائم راكد
، كثير الحيوان. وهو يموت فيه كثيرا ولا يقبر. فلو كان حلوا : لأنتن من إقامته
وموت حيوانه فيه وأجاف ، وكان الهواء المحيط بالعالم يكتسب منه ذلك وينتن ويجيف ، فيفسد
العالم. فاقتضت حكمة الرب سبحانه وتعالى أن جعله كالملاحة التي لو ألقى فيه جيف
العالم كلها وأنتانه وأمواته : لم تغيره شيئا ، ولا يتغير على مكثه من حين خلق
وإلى أن يطوى الله العالم. فهذا هو السبب الغائي الموجب لملوحته. وأما الفاعلي فكون
[٥] أرضه سبخة
مالحة.