اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 3
أو غيرهما ـ أن يحلق
رأسه في الاحرام : استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه ، باحتقانها
تحت الشعر. فإذا حلق رأسه ففتحت المسام ، فخرجت تلك الأبخرة منها ـ : فهذا الاستفراغ
، يقاس عليه كل استفراغ يؤذى انحباسه.
والأشياء التي يؤذى انحباسها ومدافعتها
عشرة : الدم إذا هاج ، والمنى إذا تتابع [١]
، والبول ، والغائط ، والريح ، والقئ ، والعطاس ، والنوم ، والجوع ، والعطش. وكل
واحد ـ من هذه العشرة ـ يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه. وقد نبه سبحانه باستفراغ
أدناها ـ وهو : البخار المحتقن في الرأس. ـ على استفراغ ما هو أصعب منه ، كما هي
طريقة القرآن : التنبيه بالأدنى على الاعلى.
وأما الحمية ، فقال تعالى في آية الوضوء
: (وإن كنتم مرضى ، أو
على سفر ، أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو لامستم النساء ، فلم تجدوا ماء ، : فتيمموا
صعيدا طيبا) ، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى
التراب : حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه. وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذله من
داخل أو خارج.
فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب
الثلاثة ، ومجامع قواعده.
ونحن نذكر هدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك ، ونبين أن
هديه فيه أكمل هدى.
فأما طب القلوب ، فمسلم إلى الرسل صلوات
الله وسلامه عليهم ، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم [٢] فإن صلاح القلوب : أن تكون عارفة بربها
وفاطرها ، وبأسمائه وصفاته ، وأفعاله وأحكامه ، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ولمحابه ، متجنبة
لمناهيه ومساخطه. ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ، ولا سبيل إلى تلقيه إلا
من جهة الرسل. وما يظن ـ : من حصول صحة القلب بدون اتباعهم. ـ فغلط ممن يظن ذلك.
وإنما ذلك : حياة نفسه البهيمية الشهوانية ، وصحتها وقوتها. وحياة قلبه وصحته
وقوته عن ذلك بمعزل.