اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 27
وفى أثر آخر : « عليكم بالشفاءين : العسل
والقرآن [١]
».
فجمع بين الطب البشرى والإلهي ، وبين طب
الأبدان وطب الأرواح ، وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي.
إذا عرف هذا : فهذا الذي وصف له النبي صلىاللهعليهوسلم العسل ، كان
استطلاق بطنه : عن تخمة أصابته عن امتلاء ، فأمره بشرب العسل : لدفع الفضول
المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء ، فإن العسل فيه جلاء ودفع للفضول. وكان قد
أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيه للزوجتها : فإن المعدة لها خمل
كخمل المنشفة ، فإذا علقت بها الاخلاط اللزجة : أفسدتها وأفسدت الغذاء. فدواؤها
بما يجلوها من تلك الاخلاط. والعسل جلاء ، والعسل من أحسن ما عولج به هذا الداء : لا
سيما إن مزج بالماء الحار.
وفى تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع ، وهو
: أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء : إن قصر عنه لم يزله
بالكلية ، وإن جاوزه أوهن القوى [٢]
فأحدث ضررا آخر. فلما أمره أن يسقيه العسل : سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء ، ولا
يبلغ الغرض. فلما أخبره : علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة. فلما تكرر
ترداده إلى النبي صلىاللهعليهوسلم
، أكد عليه المعاودة : ليصل إلى المقدار المقاوم للداء. فلما تكررت الشربات بحسب
مادة الداء : برئ بإذن الله. واعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ، ومقدار قوة المرض
والمريض ـ من أكبر قواعد الطب.
وفى قوله صلىاللهعليهوسلم
: « صدق ( الله ) [٣]
وكذب بطن أخيك » ، إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء ، وأن بقاء الداء ليس لقصور
الدواء في نفسه ، ولكن : لكذب البطن ، وكثرة المادة الفاسدة فيه. فأمره بتكرار
الدواء : لكثرة المادة.
وليس طبه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كطب الأطباء ، فإن
طب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم
ـ : متيقن قطعي
[١] أخرجه : ابن
ماجة ، والحاكم في صحيحه ـ وقال : على شرط الشيخين. وأقره الذهبي ـ عن عبد الله بن
مسعود ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا. اه ق.