اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 269
الامر كله ، وله
الحمد كله ، وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الامر كله ، والافتقار إليه في طلب الهداية
التي هي أصل سعادة الدارين. وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما ، ودفع مفاسدهما ، وأن
العافية [١]
المطلقة التامة ، والنعمة الكاملة ، منوطة بها ، موقوفة على التحقق بها. ـ أغنته
عن كثير من الأدوية والرقى ، واستفتح بها من الخير أبوابه ، ودفع بها من الشر
أسبابه.
وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى ، وعقل
آخر ، وإيمان آخر. وتالله : لا تجد مقالة فاسدة ، ولا بدعة باطلة ، إلا وفاتحة
الكتاب متضمنة لردها وإبطالها ، بأقرب طريق [٢]
وأصحها وأوضحها. ولا تجد بابا من أبواب المعارف الإلهية وأعمال القلوب وأدويتها من
عللها وأسقامها ، إلا وفى فاتحة الكتاب مفتاحه ، وموضع الدلالة عليه. ولا منزلا من
منازل السائرين إلى رب العالمين ، إلا وبدايته ونهايته فيها.
ولعمر الله : إن شأنها لأعظم من ذلك ، وهى
فوق ذلك. وما تحقق عبد بها ، واعتصم بها ، وعقل عمن تكلم بها ، وأنزلها شفاء تاما
، وعصمة بالغة ، ونورا مبينا : وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغي ـ ووقع في بدعة [٣] ولا شرك ، ولا أصابه مرض من أمراض
القلوب إلا إلماما غير مستقر.
هذا. وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض
، كما أنها المفتاح لكنوز الجنة. ولكن : ليس كل واحد يحسن الفتح بهذا المفتاح. ولو
أن طلاب الكنوز وقفوا على سر هذه السورة ، وتحققوا بمعانيها ، وركبوا لهذا المفتاح
أسنانا ، وأحسنوا الفتح به ـ : لو صلوا إلى تناول الكنوز من غير معاوق ، ولا ممانع.
ولم نقل هذا مجازفة ، ولا استعارة ، بل
حقيقة. ولكن : لله تعالى حكمة بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين ، كماله
حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم