اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 257
بعض السلف : «
الايمان نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر. قال تعالى : (إن في ذلك لايات لكل صبار شكور ».
والصبر من الايمان ، بمنزلة الرأس من
الجسد. وهو ثلاثة أنواع : صبر على فرائض الله ، فلا يضيعها. وصبر عن محارمه ، فلا
يرتكبها. وصبر على أقضيته وأقداره ، فلا يتسخطها. ومن استكمل هذه المراتب الثلاث :
استكمل الصبر ولذة الدنيا والآخرة ونعيمهما [١]
، والفوز والظفر فيهما ـ فلا يصل إليه أحد إلا على جسر الصبر : كما لا يصل أحد إلى
الجنة إلا على الصراط. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « خير عيش أدركناه بالصبر
».
وإذا تأملت مراتب الكمال المكتسب في
العالم : رأيتها كلها (منوطة بالصبر وإذا تأملت النقصان ـ الذي يذم صاحبه عليه ، ويدخل
تحت قدرته ـ : رأيته كله) [٢]
من عدم الصبر. فالشجاعة والعفة والجود والايثار ـ كله صبر ساعة :
فالصبر طلسم على كنز العلاء ،
من حل ذا الطلسم : فاز بكنزه
وأكثر أسقام البدن والقلب ، إنما تنشأ
من عدم الصبر. فما حفظت صحة القلوب والابدان والأرواح ، بمثل الصبر. فهو : الفاروق
الأكبر ، والترياق الأعظم. ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله : فإن الله مع
الصابرين ، ومحبته لهم : فإن الله يحب الصابرين ، ونصره لأهله : « فإن النصر مع
الصبر » [٣]
، وأنه خير لأهله : (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)[٤]
، وأنه سبب الفلاح : (يا أيها
الذين آمنوا ، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكمتفلحون )[٥].
[١] بالأصل والزاد
١٧٢ : « ونعيمها ». والظاهر أن أصله ما أثبتناه ، وأن قوله : ولذة ، استئناف وابتداء
لاعطف على « الصبر » ، وأن قوله : فلا يصل ، خبره لا تعليل له. وصح قرنه بالفاء ،
لان مبتدأه عام أشبه الشرط. وقوله : إليه. أي إلى المذكور من اللذة وما عطف عليها.
ولا يبعد أن يكون مصحفا عن « إليها ». كما لا يبعد أن يكون قوله : ولذة ، أصله :
وبه لذة. فتأمل.
[٢] زيادة متعينة عن
الزاد. فليس قوله الآتي : « عدم » زائدا كما ظنه ق ظنا ناشئا عن عدم البحث ،
والتأثر بالظاهر.