اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 152
سبحانه لم يرسل إليه
البلاء ليهلكه ، ولا ليعذبه به ، ولا ليجتاحه ، وإنما افتقده به : ليمتحن صبره
ورضاه عنه وإيمانه ، وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحا ببابه ، لائذا بجنابه ،
مكسور القلب بين يديه ، رافعا قصص الشكوى إليه.
قال الشيخ عبد القادر : « يا بنى : إن
المصيبة ما جاءت لتهلكك ، وانما جاءت لتمتحن صبرك وإيمانك ، يا بنى : القدر سبع ، والسبع
لا يأكل الميتة ».
والمقصود : أن المصيبة كير العبد الذي
يسبك به حاصله ، فإما أن يخرج ذهبا أحمر ، وإما أن يخرج خبثا كله. كما قيل :
سبكناه : ونحسبه لجينا ،
فأبدى الكير عن خبث الحديد
فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا : فبين
يديه الكير الأعظم. فإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا ومسبكها خير له من ذلك
الكير والمسبك ، وأنه لا بد من أحد الكيرين ـ فليعلم قدر نعمة الله عليه في الكير
العاجل.
ومن علاجها : أن يعلم أنه لولا محن
الدنيا ومصائبها ، لأصاب العبد ـ : من أدواء الكبر والعجب ، والقرعنة وقسوة القلب.
ـ ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا. فمن رحمة أرحم الراحمين : أن يتفقده في الأحيان
بأنواع من أدوية المصائب ، تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظا لصحة عبوديته ، واستفراغا
للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه. فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتلى بنعمائه! كما
قيل :
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلى الله بعض القوم ، بالنعم
فلولا أنه سبحانه يداوى عباده بأدوية
المحن والابتلاء ، لطغوا وبغوا وعتوا. والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرا : سقاه
دواء ـ من الابتلاء والامتحان ـ على قدر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلكة ، حتى
إذا هذبه ونقاه وصفاه : أهله لاشرف مراتب الدنيا ـ وهى عبوديتة وأرفع ثواب الآخرة
، وهو رؤيته وقربه.
ومن علاجها : أن يعلم أن مرارة الدنيا
هي بعينها حلاوة الآخرة ، يقلبها الله سبحانه
اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 152