اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 148
وراء ظهره ، ويجئ
ربه فردا ـ كما خلقه أول مرة ـ بلا أهل ولا مال ولا عشيرة ، ولكن بالحسنات
والسيئات. فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله ونهايته ، فكيف يفرح بموجود ، أو
يأسى على مفقود! ففكرة العبد [١]
في مبدئه ومعاده ، من أعظم علاج هذا الداء.
ومن علاجه : أن يعلم علم اليقين أن ما
أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى : (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ، إلا
في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا
تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور).
ومن علاجه : أن ينظر إلى ما أصيب به ، فيجد
ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه ، وادخر له ـ إن صبر ورضى ـ ما هو أعظم من فوات
تلك [٢] المصيبة
بأضعاف مضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي.
ومن علاجه : أن يطفئ نار مصيبته ببرد
التأسي بأهل المصائب ، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد [٣] ، ولينظر يمنة ، فهل يرى إلا محنة؟ ثم
ليعطف يسرة ، فهل يرى إلا حسرة؟ [٤]
وأنه لو فتش العالم : لم ير فيهم إلا مبتلى إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وأن
سرور الدنيا أحلام نوم ، أو كظل زائل : إن أضحكت قليلا ، أبكت كثيرا ، وإن سرت
يوما ، ساءت دهرا ، وإن متعت قليلا ، منعت طويلا ، وما ملأت دارا خيرة ، إلا ملأتها
عبرة [٥] ، ولا سرته
بيوم سرور ، إلا خبأت له يوم شرور.
قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه : « لكل
فرحة ترحة ، وما ملئ بيت فرحا ، إلا ملئ ترحا ».
وقال ابن سيرين : « ما كان ضحك قط ، إلا
كان من بعده بكاء ».