اسم الکتاب : الطبّ النبوي المؤلف : ابن قيّم الجوزية الجزء : 1 صفحة : 120
خاطبه النبي صلىاللهعليهوسلم بما يليق بحاله : فبعض
الناس يكون قوى الايمان قوى التوكل ، يدفع قوة توكله قوة العدوي ، كما تدفع قوة
الطبيعة قوة العلة ، فتبطلها. وبعض الناس لا يقوى على ذلك ، فخاطبه بالاحتياط
والاخذ بالتحفظ. وكذلك (هو) [١]صلىاللهعليهوسلم
فعل الحالتين معا : لتقدى به الأمة فيهما ، فيأخذ من قوى من أمته بطريقة التوكل [٢] والثقة بالله ، ويأخذ من ضعف منهم
بطريقة التحفظ والاحتياط. وهما طريقان صحيحان : أحدهما للمؤمن القوى ، والآخر
للمؤمن الضعيف. فتكون لكل واحد من الطائفتين حجة وقدوة بحسب حالهم وما يناسبهم.
وهذا : كما أنه صلىاللهعليهوسلم
كوى ، وأثنى على تارك الكي وقرن تركه بالتوكل وترك الطيرة. ولهذا نظائر كثيرة.
وهذه طريقة لطيفة حسنة جدا ، من أعطاها حقها ، ورزق فقه نفس فيها ـ : أزالت عنه
تعارضا كثيرا يظنه بالسنة الصحيحة.
وذهبت فرقة أخرى : إلى أن الامر بالفرار
[٣] منه
ومجانبته ، لأمر طبيعي ، وهو : انتقال الداء منه بواسطة الملامسة والمخالطة
والرائحة ، إلى الصحيح. وهذا يكون مع تكرير المخالطة والملامسة ( له ) [٤]. وأما أكله معه مقدارا يسيرا من الزمان
، لمصلحة راجحة ، فلا بأس به ، ولا تحصل العدوي من مرة واحدة ولحظة واحدة. فنهى
سدا للذريعة [٤]
، وحماية للصحة ، وخالطه مخالطة ما : للحاجة والمصلحة. فلا تعارض بين الامرين.
وقالت طائفة أخرى : يجوز أن يكون هذا
المجذوم الذي أكل معه ، به من الجذام أمر يسير لا بعدي مثله. وليس الجذمي [٥] كلهم سواء ولا العدوي حاصلة من جميعهم.
بل منهم : من لا تضر مخالطته ولا تعدى ، وهو : من أصابه من ذلك شئ يسير ، ثم وقف واستمر
على حاله ، ولم يعد بقية جسمه. فهو أن لا يعدى غيره أولى وأحرى.
وقالت فرقة أخرى : إن الجاهلية كانت
تعتقد : أن الأمراض المعدية تعدى بطبعها ، من غير إضافة إلى الله سبحانه. فأبطل [٥] النبي صلىاللهعليهوسلم
اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم