اسم الکتاب : الإمام الحسين في حلّة البرفير المؤلف : سليمان كتّاني الجزء : 1 صفحة : 36
أين هو الحسين (ع)
ـ ١ ـ
إنَّه الآن هنا ثمَّ هناك ، لا يستقرُّ
له مقام ، فبينا تراه قابعاً وحده في زاوية البيت ، كأنَّه في إغفاءة التفكير ، إذا
به ، بعد لحظات قاسيات ، يقيس الطريق بخُطواته التائهة ، بين ساحة البيت وباحة
المسجد.
لقد فهم بعُمق أنَّ حقيقة رهيبة اسمها
الموت ، قد تناولت جَدَّه الحبيب ، ولفَّته إليها ، كأنَّها الزوبعة الرهيبة
الهابطة مِن غياهب الغيب! أين هو جَدُّه الآن؟ وقد سحبته العاصفة مِن منبر المسجد؟
أتراه قد أصبح في البُعد البعيد ، أم أنَّه لا يزال حيَّاً في عذوبة الصدى ، كما
تحيا شجرة الأراك في ظلِّها الناعم؟
ويرتاح الفتى ، وهو مأخوذ بعفويَّة
التصوُّر ، يدخل المسجد الخالي مِن جَدِّه ، ومِن المُقرفصين المُصغين ... ويعتلي
المنبر يُفتِّش عن المنكبين الرازحين تحت رأس الدلال!!!
ولكنَّه لا يجد المنكبين ، ولا الرأس
تحت ملمس الكفَّين ، مع أنَّه راح يَسمع الجُدران الشبعانة مِن حفيف الصدى وهي
تُردِّد : هذا ابني مِن عليٍّ وفاطمة ، إنَّه وأخوه عُقدة البيت ، وإنَّهما
سيِّدان مِن أسياد الجَنَّة ، وإنَّهما يردان عليَّ الحوض ، وإنَّهما إمامان قاما
أو قعدا ..
هنا دائماً سنجد الحسين في المسجد ، وفي
زاوية البيت حِضنه الأوَّل والأحَبُّ والمُخمس الأحضان ، إنَّه ضمن حيطان المسجد ،
يُلملم ، مِمَّا عُلِّق عليها مِن نبرات جَدّهِ ، كلَّ الخيوط التي سينسج منها
جُبَّته وقُمصانه.
اسم الکتاب : الإمام الحسين في حلّة البرفير المؤلف : سليمان كتّاني الجزء : 1 صفحة : 36