أو من الذين حوله
من خدم وأهل وقبيلة ، أو جند ودولة ، وهذه الهيبة لا تختصّ بقوم ، فإن كلّ من
تلبّس بأحد هذه الشؤون اكتسى هذه الهيبة ، وهذه الهيبة جديرة بأن تسمّى الهيبة
المصطنعة.
وقد تكون للمرء من
دون أن يحاط بجيش وخدم وعشيرة ودولة وإمرة وكبرياء ، تلك الهيبة التي لا تكون
باللباس المستعار ، بل هي التي يفيضها الله تعالى على من يشاء من عباده ، تلك
الهيبة التي لا يزيلها التواضع وحسن الخلق والانبساط ، تلك التي يلبسها العلم
والعمل به ، من أراد عزّا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان ، فليخرج من ذلّ معصية الله
الى عزّ طاعته ، وإن من خاف الله أخاف منه كلّ شيء ، ومن لم يخف الله أخافه من كلّ
شيء ، وهذه الهيبة جديرة بأن تسمّى الهيبة الذاتيّة.
إن المنصور كان
صاحب تلك الهيبة المصطنعة ، ومن أوسع منه ملكا ، وأكثر جندا ، وأقوى فتكا؟ ولكنه
كان اذا نظر الى جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام وهو عازم على قتله هابه وانثنى عن عزمه.
يقول المفضّل بن
عمر : إن المنصور قد همّ بقتل أبي عبد الله عليهالسلام غير مرّة فكان اذا بعث إليه ودعاه ليقتله فاذا نظر إليه
هابه ولم يقتله [١] ولا تختلف هذه الهيبة لأبي عبد الله عليهالسلام باختلاف الناس
معه فإن كلّ واحد يشعر من نفسه بتلك الهيبة له ، سواء الوليّ والعدوّ ، والمؤالف
والمخالف ، فهذا هشام بن الحكم كان جهميّا قبل أن يقول بالإمامة ، ولمّا التقى
بالصادق عليهالسلام في صحراء الحيرة سكت وأطرق هيبة وإجلالا وهو اللّسن المفوّه ، فأحسّ أن هذه
الهيبة هي الهيبة التي يجلّل الله بها أنبياءه وأوصياءهم