ولقد مرّ عليك ما
قاله العلماء في شأنه ، وكفى عن تعريف شخصيّته ما قرأته من حياته العلميّة ، وسوف
تقرأ المختار من كلامه فتتمثل له منزلته في الأخلاق والفضيلة من تلك النوادر
الغالية ، وكان الجدير أن يكون مثالا لكلامه قبل أن يحمل عليه رجاله والآخذين عنه.
فلا نستكبر منه
إذن أن يكون بين أصحابه كأحدهم لا تظهر عليه آثار العزّة وحشمة الإمامة ، فقد خرج
يوما وهو يريد أن يعزّي ذا قرابة بفقد مولود له ، ومعه بعض أصحابه فانقطع شسع نعله
، فتناول نعله من رجله ، ثمّ مشى حافيا ، فنظر إليه ابن أبي يعفور [١] فخلع نعل نفسه من
رجله وخله الشسع منها وناولها أبا عبد الله عليهالسلام ، فأعرض عنه كهيئة المغضب ثمّ أبى أن يقبله ، وقال : لا ،
صاحب المصيبة أولى بالصبر عليها ، فمشى حافيا حتّى دخل على الرجل الذي أتاه
ليعزّيه.
وكان اذا بسط
المائدة حثّهم على الأكل ورغّبهم فيه ، ولربّما يأتيهم بالشيء بعد الشبع ،
فيعتذرون فيقول : ما صنعتم شيئا إن أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا ، ثمّ يروي
لهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمثال ذلك لتطيب نفوسهم بالأكل وترغب بالزيادة ، ويروي لهم
هذا القول ، أعني « أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا » عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع سلمان
والمقداد وأبي ذر.
وقد يجيء بالقصعة
من الارز بعد انتهائهم من الأكل ، فاذا امتنع أحدهم من الأكل قال له : يعتبر حبّ
الرجل لأخيه بانبساطه في طعامه ، ثمّ يجوز له حوزا ويحمله على أكله ، واذا رآهم
يقصرون في الأكل خجلا قال لهم : تستبين