لمّا أثبتنا كون النهي للدوام والتكرار
، وجب القول بأنّه للفور*[١] ؛ لأنّ
الدوام يستلزمه.
ومنها : ما حكاه
فيه أيضا من : أنّ نحو « لا تفعل » مركّب من حرف وفعل ولا شكّ أنّ شيئا منهما
منفردا ليس ممّا يفيد العموم وضعا ، فالأصل ذلك بعد التركيب ، والأصل عدم إفادة
التركيب الزيادة على ما هو من مقتضياته ولوازمه عقلا ومن الظاهر أنّ الدوام ليس
منها.
وفيه : منع واضح ،
فإنّ الدوام على ما قرّرناه من مقتضيات التركيب ولوازمه عقلا وإنكاره مكابرة
واضحة.
(١) * وحيث إنّ
التكليف إيجابيّا كان أو سلبيّا يختصّ بوقت إمكان الفعل وما عداه خارج عن مورد
التكليف ـ فعلا كان أو تركا ـ فالفوريّة الملازمة للدوام يراد بها ترك الفعل عن
أوّل أزمنة إمكانه ، وذلك يختلف باختلاف الأفعال عند تقضّي زمان النطق في الافتقار
إلى المقدّمات وعدمه ، فما أمكن وقوعه في ثاني زمان النطق باجتماع مقدّمات وقوعه يجب
الانتهاء عنه في ذلك الآن إلى آخر ما يقتضيه الدوام ، وما توقّف إمكان وقوعه على
مضيّ مدّة يجتمع فيها شرائط الوقوع يجب الانتهاء عنه عند تقضّي تلك المدّة من غير
فرق بين طولها أو قصرها ، وما حصل من الانتهاء في أثنائها عن حال النطق فهو انتهاء
قهريّ لا يترتّب عليه حكم من المدح والثواب ولا يعدّ من امتثال النهي في شيء
لخروجه عن مورده ، ولا فرق في كون الفور من لوازم الدوام ـ على القول به ـ بين كون
الدوام من مقتضيات النهي التزاما عقليّا كما رجّحناه أو من مقتضياته وضعا كما هو
ظاهر الجماعة ، والوجه في لزومه له أنّه لو أتى بالفعل المنهيّ عنه عند أوّل أزمنة
إمكانه كان مناقضا لدوام تركه ، كما أنّ الإتيان به في سائر أزمنة إمكانه مناقض له
، فيكون عصيانا ومخالفة للنهي.
ومن الأفاضل من
أورد على إطلاق العبارة الحاكمة بلزوم الفور للدوام : « بأنّ ذلك لا يتمّ لو قلنا
بدلالة صيغة النهي على جواز التراخي أو وجوبه على ما قيل به في الأمر في قول شاذّ
، إذ لا منافاة بينه وبين دلالتها على الدوام ، فإنّها إنّما تفيد الدوام على حسب
الطلب الحاصل في المقام ، فإذا كان الطلب على سبيل التراخي جوازا أو وجوبا كان
الدوام الملحوظ فيه أيضا كذلك » [١].