وعلى هذا القياس
صحّة إسناد « الأمر » إلى من هو له ، فيصحّ أن يقال : « فلان أمر أو يأمر بكذا » و
« أنا أمرتك أو آمرك بكذا » وليس كذلك إسناد التلفّظ ، فلا يقال : « فلان تلفّظ أو
يتلفّظ بكذا » و « أنا تلفّظت أو اتلفّظ بكذا » مع أنّ الحدّ يتناول لمثل (
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ )[١] « والمؤمنون عند شروطهم » وليس من المحدود في شيء إجماعا [٢].
ويمكن دفع الجميع
بعدم كون المراد من اللفظ هنا مفهومه بل مصداقه الّذي يعبّر عنه « بافعل »
وموازينه ، نعم يرد عليه أنّه لا يتناول لما يصدر من العالي الغير الملتفت إلى
علوّه على سبيل الحتم والإلزام ، لفقده القيد الأخير ، نظرا إلى أنّ إظهار العلوّ
يستلزم القصد إليه ، وهو مناف للغفلة والذهول ، والمفروض كونه من أفراد المحدود
جزما بأيّ معنى يحدّ.
كما لا وجه أيضا لما
عن البلخي وأكثر المعتزلة من أنّه : « قول القائل لمن دونه : « افعل » وما يقوم
مقامه » ولا لما عن القاضي والغزالي والجويني وأكثر الأشاعرة من تحديده بأنّه : «
القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به » ولا لما عن أبي الحسين البصري من
أنّه : « قول يقتضي استدعاء الفعل بنفسه لا على جهة التذلّل ».
فإنّ الأوّل وإن
كان يناسب المحدود باعتبار كونه مرادا به المعنى المصدري ، غير أنّه لا يلائمه
باعتبار عدم كونه ممّا يدور عليه المشتقّات الصادقة على ما صدق عليه مشتقّات «
الأمر » وصفا وإسنادا بالتقريب المتقدّم. والباقيان لا يناسبه في شيء من
الاعتبارين على ما هو ظاهر هما من إرادة المعنى الاسمي منهما وهو الكلام ، والدليل
على كلّ ذلك ما تقدّم من الاستهجان العرفي ، مع ما في الأوسط من الاختلال من جهة
اشتماله على كون الاقتضاء من أوصاف القول ، فإنّه وصف للآمر ، فكيف يصلح وصفا للأمر
القائم به ، إلاّ على إرادة التجوّز في الإسناد وهو كما ترى.
مع أنّ الأوّل
منقوض في طرده بما لو اريد من الصيغة ما عدا الإيجاب ، من الندب والتهديد والإباحة
وغيرها ممّا يأتي من معانيها ، وما لو صدرت الصيغة من الهازل ، وما إذا كان القائل
ناقلا له ، أو غيرها ممّا يفيد مفاد « الأمر » عن غيره لمن دونه ، وما لو كان
القائل