منزّلا نفسه منزلة
المساوي أو الداني ، مع أنّه مندرج في الالتماس والدعاء حينئذ على ما يظهر من
كلامهم ، بل المصرّح به في عبارة بعض الأفاضل ، وبما لو كان الخبر مرادا به الأمر
والإيجاب لاندراجه في القيد الأخير ، مع أنّه ليس بأمر عندهم بهذا المعنى ، إلاّ
أن يدفع ذلك بكون ذلك القيد مرادا به الصيغة من سائر اللغات ، كما فسّر بها في
كلام جماعة التفاتا إلى صدق « الأمر » عليها حقيقة.
ومختلّ طردا بصدقه
على الوعد والوعيد بالثواب والعقاب على الامتثال وتركه ، بل بالإخبار بهما كما في
وعظ الواعظ ، ونصح الناصح ، مع عدم كون شيء من ذلك من « الأمر » في شيء ، وعلى
الجمل الخبريّة إذا اريد بها الإيجاب ، وباشتماله للفظي « المأمور » و « المأمور
به » الموجب للدور ، بل واشتماله على لفظ « الطاعة » الّتي هي عبارة عندهم عن
موافقة الأمر ، إلاّ أن يراد بهما الذات من دون اعتبار الوصف فيها ، وبها مطلق
الامتثال والانقياد ، ولكن يبقى حينئذ الحاجة إلى ارتكاب تجريد فيهما وهو تجوّز
ركيك لا يصار إليه في أمثال المقام ، مع افضائه إلى خروج الحدّ غير مفيد ، لكونه
حينئذ من باب تحديد المجهول بالمجهول كما لا يخفى.
وأنّ الثالث ينتقض
في طرده بمثل : « لا تترك » و « لا تكفّ نفسك » لاقتضائهما استدعاء الفعل بأنفسهما
لا على جهة التذلّل ، مع أنّ ظاهر أصحاب القول بكونه قولا مخصوصا عدم كونهما منه ،
مع انتقاض الجميع في عكسها بما يصدق عليه المحدود لغة وعرفا ممّا يستفاد من
الكتابة أو الإشارة ونحوها ممّا يأتي.
وبما تقرّر يتّضح
أنّ تحديده بأنّه : « صيغة « افعل » مع تجرّدها عن القرائن الصارفة لها عن جهة
الأمر إلى جهة التهديد وغيره » كما عن بعضهم ، وتحديده : « بأنّه صيغة « افعل »
بإرادات ثلاث : إرادة وجود اللفظ ، وإرادة على الأمر ، وإرادة الامتثال » بدعوى :
أنّه يخرج بالأولى اللفظ الصادر عن النائم ونحوه ، وبالثانية ما إذا اريد بها سائر
معاني الصيغة من التهديد والإباحة ونحوها ، وكذا إذا ذكر اللفظ هزلا ، وبالثالثة
ما إذا كان القائل حاكيا لها عن الغير ، فإنّه لا يريد بها الامتثال ـ كما عن بعض
المعتزلة ـ أوضح فسادا ممّا تقدّم ، فإنّهما مع مبائنتهما للمحدود بكلا الاعتبارين
المتقدّمين يوجبان الدور ، لاشتمالها على لفظ « الأمر ».
وما يقال في دفعه
في الأوّل ـ وعساه يقال أيضا في دفعه عن الثاني ـ : من أنّ « الأمر » المأخوذ في
الحدّ غير ما هو المقصود من المحدود ، فإنّ المراد به في الحدّ مدلول الصيغة