ولا
ريب في وجوب ذلك الترك ، فلا يجوز أن يكون الفعل المتحقّق في ضمنه مباحا ؛ لأنّه
لازم للترك ويمتنع اختلاف المتلازمين في الحكم.
وبشاعة
هذا القول غير خفيّة *. ولهم في ردّه وجوه **
* عن الصحاح «
البشاعة » بالفتح الكراهة والمرارة وهو مصدر « بشع » بالكسر ، فحاصل المعنى : أنّ
كون هذا القول من جهة كونه دفعا للضرورة والإجماع ممّا يكرهه الطباع والأنظار غير
خفيّ على أحد من اولي الأفهام والأبصار.
** وقد تقرّر بما
تقدّم أنّ الّذي يمكن أن يستند إليه لهذا القول لا يخلو عن وجوه ثلاث ، وإن كان
الدليل التحقيقي الصادر عن الكعبي واحدا منها :
أحدها : أنّ فعل
المباح بعينه ترك للحرام فيكون واجبا بعينه.
وثانيها : أنّ ترك
الحرام واجب ، ولا يتمّ إلاّ بفعل المباح لكونه مانعا عنه ، والمانع من الأسباب
المقتضية للعدم ، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به واجب.
وثالثها : ما أشار
إليه المصنّف من أنّ فعل المباح مستلزم لترك الحرام وهو واجب ، ومستلزم الواجب
واجب لامتناع اختلاف المتلازمين في الحكم.
أمّا الوجه الأوّل
: فلم نجد في ردّه من كلام القوم ما يدفعه ويسلم عن المناقشة إلاّ ما في كلام بعض الأفاضل
، حيث قال : « إنّ الإتيان بالضدّ ليس عين رفع الفعل وإنّما يلابسه ويقارنه ،
وإنّما الواجب هو الترك المقارن له ، فلا قاضي بوجوب الضدّ المقارن لذلك الواجب »
إلى آخره ، وهو في كمال المتانة.
ولكن الأولى في
تقرير الدفع أن يقال : إنّ العينيّة إن اريد بها اتّحادهما مفهوما ومصداقا.
ففيه : أنّه دفع
للضرورة وإنكار لمقتضى الحسّ والوجدان ، كيف وأنّ الفعل والترك متقابلان تقابل
الإيجاب والسلب ، مضافان إلى متقابلين تقابل التضادّ فكيف يعقل اتّحادهما بحسب
المفهوم.
وإن اريد بها
اتّحادهما مصداقا وإن تغايرا مفهوما كما في الاثنين ونصف الأربعة ، حيث يتّحدان في
الخارج وإن تعدّدا في الذهن.
ففيه : أنّ هذا
الاتّحاد ينشأ عن كون أحد المفهومين لازما للمفهوم الآخر ، ولا يلزم من