لما
هو مقرّر من أنّ ترك الحرام لابدّ وأن يتحقّق في ضمن فعل من الأفعال * ،
وهذا المعنى ممّا
يقتضيه احتجاجهم عن الكعبي بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به ، إلاّ أنّ المستفاد
من شرح الشرح كون ذلك توجيها في احتجاجه المتقدّم الّذي نقله السيّد في المنية
القاضي بكون فعل المباح عين ترك الحرام ، وإنّما وجّهوه بذلك لوضوح بطلانه في
الأنظار المستقيمة.
فلأجل تلك
الاختلافات في تقرير هذه الشبهة قال بعض الأعلام : « والمنقول عنه مشتبه المقصود ،
فقد يقال : إنّ مراده أنّ كلّ ما هو مباح عند الجمهور فهو واجب عنده ، وقد يقال :
إنّ مراده أنّ كلّ ما كان مباحا بالذات فهو واجب بالعرض ».
وأشار إلى
التقريرين أيضا في الزبدة بقوله : « المباح موجود إجماعا واستدلال الكعبي على
وجوبه بأنّ ترك الحرام لا يتمّ إلاّ به أو هو هو مع مصادمته للإجماع مدخول »
مفسّرا لقوله : « هو هو » في الحاشية : بأنّ فعل المباح بعينه ترك الحرام ، كإطباق
الفم فإنّه ترك للقذف.
وظنّي أنّ الصحيح
من مذهبه على ما يشهد به التتبّع هو دعوى العينيّة القاضية بالوجوب الذاتي ،
والصحيح من مستنده ما تقدّم عن المنية وذكره المدقّق أيضا ، وما ذكر من الدليل
الآخر فهو توجيه لهذا المستند تصحيحا له على حسب الظاهر ، كما أنّ ما ذكر من إرادة
الوجوب بالعرض تأويل في مذهبه جمعا بين دليله والإجماع على وجود المباح كما عرفت.
* وهذا وجه أخذه
بعض الأعلام دليلا مستقلاّ على مذهب الكعبي ، ولم نجد من يذكره في جملة احتجاجه أو
كلامه المنقول عنه بل المنقول عنه ، صريحا وتأويلا الوجهان المتقدّمان ، ولعلّه
وهم أوقعه فيه كلام المصنّف غفلة عن أنّه ليس بصدد نقل الاحتجاج عن الكعبي ، بل
غرضه من هذا الكلام إيراد نقض على من جعل الأمر بالشيء نهيا عن الضدّ الخاصّ من
جهة قاعدة الاستلزام ، وقضيّة عدم جواز اختلاف المتلازمين في الحكم.
ومحصّل مراده :
أنّ المتشبّثين بذلك الوجه هنا يلزمهم الالتزام بشبهة الكعبي لجريان دليلهم
المذكور في عكس القضيّة أيضا ، بتقرير أنّ فعل المباح مستلزم لترك الحرام وهو واجب
ففعل المباح واجب ، لأنّ مستلزم الواجب واجب.