استحقاق العقاب
إنّما يكون لفعل القبيح وفعل النائم والساهي لا يتّصف بالحسن والقبح بالاتّفاق ،
ولا وجه للثاني لأنّ السابق على النوم لم يكن إلاّ ترك المقدّمات للفعل مع أنّ
المفروض عدم وجوبها.
إلى أن قال : بقي
ها هنا إشكالان آخران :
أحدهما : أنّ هذا
الدليل لو تمّ لدلّ على أنّ تارك الحجّ بترك المقدّمات لا يكون معاقبا بترك الحجّ
، بل بترك مقدّماته فلم يكن الحجّ واجبا مطلقا مع أنّ المفروض خلاف ذلك.
وثانيهما : أنّ
بطلان التالي ممنوع ، كيف وقد ذهب السيّد المرتضى إلى خلاف ذلك كلّه كما حكى عنه
سابقا ، فإثباته يحتاج إلى دليل.
والجواب عن الأوّل
، أنّا نقول : تارك الحجّ بترك الحركة إلى مكّة إنّما يستحقّ العقاب بسبب ما يفضي
إلى ترك الحجّ من حيث إنّه يفضي إليه ، لا أنّه يستحقّ بعد الاستحقاق المذكور
استحقاقا ثانيا في زمان الحجّ ولم يثبت ذلك ليحتاج بيانه إلى دليل.
وبالجملة كونه
واجبا مطلقا يقتضي أن يكون استحقاق العقاب ناشئا من جهة تركه ، سواء كان العلّة في
حصوله نفس الترك أم سببه من حيث إنّه يفضي إليه. تدبّر.
وعن الثاني : أنّا
نعلم أنّ السيّد إذا قال لعبده : « اسقني الماء » إذا كان الماء على مسافة بعيدة
فترك العبد قطع المسافة والسعي كان عاصيا مستحقّا للّوم. انتهى.
وجوابه أوّلا :
اختيار الشقّ الأوّل من الفرض الأوّل ، قوله : « لم يصدر عنه في ذلك الزمان إلاّ
ترك الحركة ».
قلنا : الإقدام
على ترك المقدّمات مع العلم بإفضائه إلى ترك الحجّ في موسمه بناء على تركه في ذلك
الموسم فيستحقّ العقاب من ذلك الحين لثبوت التكليف عنده ، وارتفاعه بعده بسبب
امتناع الفعل المنافي للاختيار خطابا وعقابا حسبما قرّرناه ، فيكون ذلك هو زمان
المعصية حقيقة تنزيلا للترك الحكمي منزلة الحقيقي ، كيف ولولا لارتفع استحقاق
العقاب لأنّه فرع المعصية وهي فرع الخطاب وحيث لا خطاب لا معصية والمفروض ارتفاعه
بمجرّد طروّ الامتناع ، فإذا كانت الحال في ترتّب الاستحقاق هذه فلا يفترق الحال
بين فرض المقدّمة واجبة أو غير واجبة ، إذ المفروض ـ بناءا على التحقيق السابق ـ أنّ
وجوبها فرضا غير مؤثّر في ذلك الاستحقاق ، كيف ولا يتوهّم عاقل أنّ تركها على
تقدير الوجوب يوجب استحقاق العقاب على ترك الواجب من حينه ، وعلى تقدير عدمه لا
يوجبه مع كونه