فإذا
انقسم الأمر في الشرع إلى قسمين ، فكيف نجعلهما قسما واحدا »؟ *
وهي الّتي لا
يتوقّف عليها وجوب الفعل أصلا ، فهو صريح في إطلاق القول بوجوب مقدّمات الواجب
المطلق كما عليه الأكثر ، فيفسد به ما هو المعروف منه في القول بالوجوب من مصيره
إلى الفرق بين السبب وغيره.
نعم ربّما يتدافع
كلامه هذا لما سبق حكايته في كلام المصنّف أوّلا من قوله : « وإن كان غير سبب
وإنّما هو مقدّمة للفعل وشرط له لم يجب أن يعقل من مجرّد الأمر أنّه أمر به ».
ووجه التدافع :
إنّ الّذي لا يتمّ الشيء إلاّ به إذا كان مقدّمة للفعل وشرطا له هو الّذي يعبّر
عنه بمقدّمة الوجود ، فالحكم بعدم تعقّل وجوبه مع تعقّبه بعد ذلك بالحكم بوجوب
مقدّمات الفعل فيما ذكره من الضرب الثاني من أوامر الشريعة تدافع ظاهر.
ويمكن دفعه : بأنّ
المراد بمقدّمات الفعل هنا ما يكون مقدّمة للوجود الصرف وهو المقابل لما يكون
مقدّمة للوجوب الصرف ، وبمقدّمة الفعل فيما سبق ما احتمل مع كونه مقدّمة للوجود
كونه شرطا للوجوب أيضا وهو الأمر المجمل المردّد بين كونه ممّا يجب من المقدّمات
وما لا يجب منها ، فإذا كان الشأن فيه هذا فلا يعقل من مجرّد الأمر الحكم بوجوبه
من غير دلالة على عدم كونه مقدّمة للوجوب ، مع احتمال كونه في الواقع مقدّمة
للوجوب أيضا الّذي لا يعقل وجوب مقدّمته.
فصار المحصّل :
أنّ المقدّمة إمّا مقدّمة للوجود فقط ، أو مقدّمة للوجوب فقط ، أو مقدّمة لهما معا
، أو مردّدة بين كونها من الأوّل أو من الثالث ، وهاهنا احتمالات اخر تظهر بأدنى
تأمّل.
والّذي يحكم عليه
بكونه واجبا هو الأوّل ، والّذي يحكم عليه بعدم تعقّل وجوبه بمجرّد الأمر هو
الرابع ، لدورانه بين ما هو واجب جزما وما ليس بواجب جزما وهو الثالث فلا تدافع
بينهما لتعدّد موضوعيهما.
* اعتراض على بعض
العامّة في إطلاق قوله : « بأنّ الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ إلاّ به ».
وحاصله : أنّ
الأمر الوارد في الشرع إنّما احتمل كونه من القسم الأوّل الّذي لا يجب مقدّمته
جزما والقسم الثاني الّذي يجب مقدّمته جزما ، فكيف يحكم بمجرّده إنّه أمر بمقدّمته
مع قيام احتمال كونه من القسم الأوّل.